جمهورية بمعسكرين شرعيين.. فالسودان دولة الفكر وتشكيل الوعي ورجال الكتاب والمخزون الثقافي، لم تجد حرفا واحدا يعقل عسكرها وضباطها وفوهات بنادقها انقلب الرصاص على الرصاص.. فأنتج حربا ضائعة، ومدنا محروقة، ومطارات رهينة بين أيادي المسلحين، وضحايا مدنيين فاقت أعدادهم ارقام العسكريين دول عديدة هي حطب الحرب.. افواج من العواصم تتحرك لكن الصراع الذي أضرم نيرانه بين فريقين في السودان لا يزال يخضع للترتيب الجغرافي ولاصطفافات هذه الدول بين مؤيد للرئيس وداعم لنائبه والغموض الذي يحيط بفرز الدول يسري ايضا على المكاسب العسكرية في الميدان.. حيث يخوض فريقا البرهان وحميدتي حروبا اعلامية ضارية بالاعلان عن سيطرة كل منهما على القصر الجمهوري ومطار الخرطوم ومقار تابعة للجيش والدعم السريع ومحطة بث التلفزيون الرسمي ليس واضحا حجم السيطرة لكل من عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد، أم نائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي لكن الواضح ان الطرفين لم يمتثلا لدعوات دولية وعربية بوقف القتال الفوري.. واختلفا حتى على منح التقاتل مهمة سماح لأربع ساعات آمنة وبائسة حاولت الجامعة العربية التدخل.. لكن دعواتها أطلقت عليها النيران فيما دخلت السعودية على خط المناشدة، وحث وزير خارجيتها فيصل بن فرحان المعسكرين على وقف كل اشكال التصعيد.. مجريا اتصالين بالبرهان وحميدتي في وقت اعلن رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي أنه سيتوجه فورا الى الخرطوم وبدا أن محوري النزاع ليسا على استعداد للحوار في الوقت الراهن، إلا بعد تسجيل انتصارات ومكاسب على ارض الميدان وهذه الدائرة النارية المغلقة دفعت باقتراح قدمه خبير على خطوط وقف اطلاق النار هو وزير خارجية قطر الاسبق حمد بن جاسم .. الذي دعا دول الجامعة العربية إلى إرسال قوة عربية إلى العاصمة السودانية الخرطوم، والإشراف على وقف النار وفي اول رصد لإشارات التدخل الخارجي، قال بن جاسم إن ما يعصف بالسودان اليوم ما هو إلا تبعات لنصائح مغرضة وتدخلات خارجية بلغت ذروتها يوم الانقلاب على الرئيس السابق عمر البشير.
وإلى حين اتضاح الصورة الانقلابية في السودان وداعمي مسارها.. فإن في لبنان من يتخذ أدوارا شبيهة، لكن “بلا رصاص”، فقوات الدعم السريع المتمثلة بالتيار الوطني دعما لجلسة التشريع قد تبدأ بمراجعة حساباتها.. لاسيما إذا ما أرادت المزايدة على القوات اللبنانية التي ستعلن مقاطعتها الجلسة واليوم رمي تساؤل من عضو التيار النائب السابق إدي معلوف قد يقلب مسار الجلسة.. لاسيما إذا ما اشترط التيار على رئيس الحكومة اعترافا صريحا بعجزه عن اجراء الانتخابات البلدية، أو طلب مباركة علنية من البطريرك الراعي وضرب التيار أخماسه بأسداسه حيال الجلسة، بعدما سبقته القوات الى حفل اعلان براءتها من دم الجلسة لكن رأس الكنيسة ضبط القوتين المسيحيتين وغيرهم من النواب بالجلسة المشهودة.. وسأل النواب: كيف رفضتم الإجتماع لانتخاب رئيس، واليوم تجتمعون بكل سهولة وتؤمنون النصاب من أجل تأجيل إستحقاق دستوري آخر؟ لم يوفر الراعي جهة، ولم يميز نائبا معطلا أو ممددا عن غيره من النواب فقرأهم على حقيقتهم.. بوجوههم المزيفة التي تدعي الحرص على جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ثم تضرب أقوالها بأفعالها وتجري استثمارات سياسية على ظهر تأجيل الانتخابات البلدية و”العلم عند الله” أن الرئيس نجيب ميقاتي سمع ما لا يرضيه لدى زيارته المطران الياس عودة مساء اليوم.. فهو خرج من دون الادلاء بأي تصريح، بعدما تم تجهيز الطاقم الصحافي لهذا الغرض وعلى الارجح أن التوبيخ للسياسيين الذي يدلي به عودة أسبوعيا على مذبح الكنيسة، قد أهداه مباشرة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال.