غرسةُ السَّنةِ الرابعةِ والعشرينَ للتحرير كانت هذا العامَ تنفصلُ عن قُرىً أماميةٍ تواجِهُ النارَ وتسكنَ بين جدرانِ الحربِ المغلقة غيرِ المفتوحة والشاملة، سنواتُ التحرير أتمّت صِباها، لكنّها اُصيبت بجُرحِ الجبهة ما أرجأَ احتفاليةَ عيدِها المُرابض على خطوطِ النار، واذ قرر سيدُ نصرِ الألفين رفْعَ مظاهرِ العيد فقد تلقَّى النبّأَ الحزين بوفاةِ والدتِهِ السيدة نهدِيَّة صفي الدين وهي التي عانت من مرضٍ عُضال وقررتْ روحُها الصعودَ الى باريها في نهارٍ يشكلُ رمزَ التحرير، ولم تعلَنْ بَعدُ مراسمُ تشييعِ “أُمِّ البطل” وما إذا كانت ستسلكُ طريق البازروية أم مَسقِطِ رأسِها دير قانون النهر أو بيروت.
وعلى أيٍّ من هذه الطرق، فإنَّ مشاركةَ نجلِها السيد حسن نصرالله ستكونُ مستبعَدةً نظراً لوضعِهِ الأمنيّ البالغِ الدقة والذي لا يَحتملُ المفاجآت، والحزنُ على أُمِّ الجنوب لن يُفقِدَ الجنوبَ وقْعَه الناريَّ الذي امتدَّ اليومَ الى القصَير السورية فاوقع شهداء، وردَّتِ المقاومةُ بقصفِ موقع زبدين في مزارع شبعا ومستعمرةِ المنارة ورويسات العلم في تلال كفرشوبا المحتلة.
وربطاً بالمواقفِ في يوم التحرير سَجَّل رئيسُ التيار الوطني الحر جبران باسيل تحيةً لروحِ كلِّ لبنانيٍّ استُشهد من أجل لبنان ولكلِّ مقاومٍ يحمي الارضَ تأكيداً على حقِّنا بالمقاومة ضد ايِّ احتلال، وقالَ إنَّ تحصينَ الوَحدةِ الوطنية يتمُّ باعادة إحياءِ المؤسسات الدستورية وعلى راسها رئاسةُ الجمهورية، موقفٌ يسجِّلُه الثنائيُّ في رصيد عدمِ الانفصامِ عن الواقع، امّا الموقفُ الأمني الأبعدُ في الصندوقةِ الوطنية فقد خطَّه المديرُ العامُّ للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، متوجهاً فيهِ الى عسكريي المديرية العامة للأمن العام قائلاً لهم إنه في مثلِ هذا اليوم استطاعَ لبنان بشعبِه وجيشهِ ومقاومته، تحقيقَ إنتصارٍ تاريخي على العدو الإسرائيلي، فأخرجَه من معظم الأراضي اللبنانية من دون قيدٍ او شرط، وهَزم أسطورةَ الجيش الذي لا يُقهر، متسلحاً بقضيته الحَقَّة التي قدَّم في سبيلها الشهداءَ وغاليَ التضحيات، وفَتح مساراً جديداً لإستعادة الحقوق، مستنداً الى قوةِ الحقّ في مواجهةِ حق القوة.
وفي عيد التحرير لبنانياً، ناورت اسرائيل غزاوياً وأعلنت خضوعَها للامرِ الواقع والعودةَ الى التفاوض لكن بشروطِها ووَفق مندرجاتِ تفاوضٍ جديدة، فبعدما افشلتْ اسرائيل اتفاقاً مبكَّلاً قبل اسابيع كان مدعوماً من اميركا ومِصر وقطر، عادتِ اليومَ لعملية شراءِ الوقت، وادّعاءِ الرضوخ الى لعبةِ التفاوض لدرجة ان المكتبَ البيضاوي لم يصدِّقْها.
واعلن الرئيسُ الاميركي جو بايدن أنه فوجِىء بهذا الاعلان، وسيجتمعُ مجلسُ الحرب الاسرائيلي مساءَ غدٍ لبحثِ مفاوضاتِ صفْقةِ التبادل والتي ستُستأنفُ الاسبوعَ المقبل بحسَبِ مصادرَ لرويترز، وقالت هيئةُ البث الاسرائيلية إنّ اعضاءَ القيادة الامنية اجمعوا على قرارِ استئناف المفاوضات لكنْ بمقترحاتٍ جديدة وبوَساطةٍ قطَريةٍ مصرية، ومن غير المستبعد ان تكونَ اسرائيل قد اتَّبعتْ هذه المرةَ خطوطَ مناوراتٍ جديدة، ولاسيما انها أَفشلتْ اهمَّ صفْقةٍ كانت حماس قد وافقت على بنودها، فاسرائيل التي ترفض تطبيقَ قراراتِ مجلس الامن وستعاقِبُ المحكمةَ الجِنائية الدولية واعلنتِ الحربَ على محكمة العدل واصبحت كِياناً عَصِيَّاً على القانون الدولي.. لن يكونَ صعباً عليها ضربُ صفْقةِ الهُدنة مرةً جديدة او تلغيمُها ببنودٍ مرفوضة من الجانب الفلسطيني المقاوم .