الدولة التي شهرت السيف على الفساد وستحاربه “بالترس والمنجنيق” القضائيين، هي نفسها وعلى متن موازنتها تشجع على ارتكاب المعاصي والآثام.
والمال السايب بيعلم الناس الحرام، جداول مالية تترقرق في الموازنة ويسمع صوتها كخرير مياه، وهذا يفترض أننا على مئة مليار دين وميزانية عاجزة لدولة تعاني تبحث عن فلس الأرملة، وتعاني التفليسة وتتسول على أبواب الدول من مؤتمر سيدر واللؤلؤ المنشود.
وعلى صفحات الموازنة يكشف عن صناديق وجمعيات ومؤسسات وزوجات، حصدن حواصلهن المالية من رزق الناس، وسنة بعد سنة وحتى آخر موازنة كانت الجمعيات تتلقى أموالا على هيئة مساعدات، وإذا كانت بعض هذه الأموال ممنوحة وفق “شرع الله” ولحاجات إنسانية فإن البعض الآخر لا يمكن وضعه إلا في خانة “الزبائنية” والتنفيعات السياسية حيث يصرف له ولها على موائد موازنة منهكة وعلى سبيل التمويل، معاهد مؤسسات خيرية لم ير اللبنانيون خيرها من شرها، مراكز لا تتوخى الربح إلا من موازنة الدولة، هيئة شؤون حج والناس راجعة.
أندية تعنى “بالمنحرفين” من دون تحديد ما اذا كانوا سياسيين أم من بقية خلق الله، اتحاد عمالي شبه معطل سياسيا، نقابة صحافة، نقابة محررين، نقابة مصورين، فنانون صحف عربية مخرجون، وسقط من الموازنة عبارة “على دلعونا” مع المليارات المصروفة سنويا إلى المهرجانات السياحية والقروية المرأة وحقوقها.
ولم تترك الموازنة زوجة رئيس سابق تعتب عليها، وكادت الأرقام تقول “ربي سألتك باسمهن، أن تفرش الدنيا لهن”، فالسيدات الـأول والثانيات كل المهرجانات والواردات.
وتفصيل الارقام تنشرها الجديد اليوم بالتعاون والتزامن مع موقع ليبانون ديبايت الإخباري، وإذا كانت التصريحات السياسية قد جزمت في السابق بأن هذه المساعدات سوف تشطب من الموازنة فأين أصبحت الوعود؟ وفي حال تعذر الشطب من موازنة عام ألفين وثمانية عشر، فإن على اللبنانيين أن يسارعوا الى مراقبة موازنة العام الحالي لتبيان ما اذا كانت هذه الاموال سوف تستوطن الميزانية العامة.
ومع انطلاق حملة الدولة على الفساد فإن على السلطة تقديم المثل الأعلى لمواطنيها، وأن تبدأ من بابها العالي وذلك بالتزامن مع فتح ملفات فساد التعليم العالي الذي كشف اليوم عن شهادات عائمة على وجه الماء، وربطا بهذا الملف سجل النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان أنه أول قاض يوقف مديرا عاما في الزمن الحديث، وقد أنهى رمضان تحقيقات استمرت يومين مع المدير العام للتعليم العالي أحمد الجمال ورئيس قسم المصادقات في الوزارة هند رزق المخولة المصادقة على الشهادات وإجراء مقارنة اللوائح بالعلامات وأمر رمضان بتوقيف الجمال ورزق بعد مواجهات أجراها مع موقوفين آخرين من جامعة صيدون وموهبة الجمال في الشهادات المزورة لم تقتصر على المؤسسة العسكرية بل اكتشف أن الرجل “سبح” الى مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان واخترق نقابة المهندسين وأنبت رجالا على هيئة “باش مهندس” ما استدعى توقيف خمسة أشخاص برتبة مسؤولين.