طلائع محاربة الفساد رفعت أولا حواجز طائفية، ثم ارتطمت ثانيا بالبلوكات السياسية، وآخر العراقيل إعلان وزارة الاتصالات العصيان القضائي، رافضة إعطاء الإذن بمثول المدير العام لهيئة “أوجيرو” عماد كردية أمام المدعي العام المالي علي ابراهيم، ولو لمجرد الاستئناس برأيه.
وعلى خطى السلف الوزير جمال الجراح الذي نجح في تخطي سباق المئة متر القضائي، فإن الوزير محمد شقير كان “فلتة الشوط”، وكسر حواجز السبق من أوله، فأدى قسم اليمين السلكية واللاسلكية بأنه لن يسمح لمؤسسات فاشلة بمعاقبة المؤسسات الناجحة كهيئة “أوجيرو” والتي تدر أرباحا على الدولة تربو على نصف مليار دولار. وفي اتصال مع “الجديد” رفض شقير السماح بالاستماع إلى عماد كريدية، لأن استدعاءه هو بقرار سياسي ويستلزم معالجة سياسية.
ولفت في كلام وزير الاتصالات أنه احتسب كريدية على جهة سياسية معينة، كما قال جازما “بحرمة” الاستدعاء. وفي محاولة من “الجديد” لاستقصاء رد القاضي علي ابراهيم، بدا المدعي العام المالي في حالة إحباط قضائي، مكتفيا بعبارة “يسكروا هالدكانة”.
وعينة القوة الضاربة في وجه محاربة الفساد، نقطة في البحر الطويل لمنظومة الهدر المالية، وقد تسنى ل”الجديد” الاطلاع في جزء ثان على حفنة من المليارات المخصصة لأبواب مغلقة، غير محددة، وإذا جرى تحديدها فإنها تأتي على شكل الغرابة بعينها وتتوزع المليارات على: علاقات عامة، بذور ونصوب وشتول، معارض ومهرجانات، أعياد وتمثيل، مساهمات لا تتوخى الربح، هواتف السياسيين، ونفقات شتى متنوعة وأخرى خالية من التنوع، هي موازنة تحمل على متنها “صدقات جارية” و”بتوفي الندر”.
مليارات هائمة لميزانية على سفينة تغرق، لمؤسسات وجمعيات لا تتوخى الربح لكنها تتوخى النصب، والدولة “تفوتر” وتهب وتمنح، وتعلن على السطر نفسه أننا في زمن مكافحة الفساد، فإذا كانت موازنة عام 2018 قد أصبحت من الماضي وصارت أموالها في مجاري الصرف الصحي، فإن العبرة في موازنة العام الحالي، فمن يدعي أنه “ضراب سيوف” بالفساد، فليتطوع غدا في الحرب، ولينزع عن الموازنة أرقامها المنثورة هباء، أطول الطرق في لجنة المال والموازنة، وأقصرها في اقتراح قانون معجل مكرر سيقدمه النائب حسن فضل الله في الجلسة التشريعية المقبلة لخفض هذه النفقات، والتي يصل مجموعها إلى نحو ثمانمئة مليار ليرة لبنانية، وتصويت النواب على هذا المشروع سيبين “القرعة من أم عيون”.