IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار تلفزيون “الجديد” المسائية ليوم الأحد في 02/12/2018

قبل أن تشيع ضحيتها، وارت الجاهلية الفتنة في الثرى، وتعالت على جرحها فودعت محمد بو دياب من دون رصاص، وبمراسم ارتقت إلى مستوى احترام الحزن والرحيل ووداع الأحبة. ارتفعت الجاهلية فوق سطح أرضها الغاضبة، واختارت السير على وقع جنائزي، ففوضت وئامها الموقف، الذي بدوره فوض أمره ل”حزب الله”.

يوم الجبل، وإن جاء هادئ التشييع، غير انه ليس على ذاك الهدوء في السياسة والخلفيات التي كادت ان تضرم النار في وطن على فوهة فتنة. فقد حملت مواقف التشييع اتهامات بلغت حد النية الجرمية بقتل وئام وهاب واستهدافه شخصيا، على ما روت زوجته ل”الجديد”. أما المستهدف فعين خصومه وتوعدهم، من الحريري إلى عثمان فحمود. فيما علمت “الجديد” ان “حزب الله” يواصل مساعي الحل البارد، عبر تأمين مخرج يجنب وهاب المثول بالقوة أمام القضاء ولا يحرج القضاء في الوقت نفسه. لكن النائب محمد رعد انتقد القوة المؤللة تحت حجة التبليغ، وقال إن هذا أمر فيه تجاوز للقانون وكان يخفي نية اعتقال وإذلال وتكسير رأس وسوق الشخص المطلوب خلال أيام العطل ليبقى محتجزا حتى يبيت ليوم الإثنين والثلثاء.

وعدا للأيام، فإن اليوم التالي لغزوة الجاهلية، لم يظهر مواقف “التيار الوطني”، أو يبين خيطه الأزرق من الأصفر، وآثر الوزير جبران باسيل ان يسرح في البراري على درب المسيلحة وبين الطواحين، في سياحة بيئة رياضية عدها بالكيلومترات على ال”تويتر”. لكن العدل كان جاهزا، وأعلن الوزير سليم جريصاتي ان تحقيقا كاملا سيجري لأحداث الشوف، وصولا إلى ما جرى في الجاهلية وسقوط المرحوم محمد بو دياب، وان المساءلة القانونية لن تستثني أحدا في دولة القانون مهما علا شأنه.

وتقديما للمساهمة العينية في التحقيق، كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق، استنادا إلى تقرير قوى الأمن، أن إطلاق النار العشوائي من قبل مسلحين في الجاهلية، هو الذي أدى إلى إصابة أبو دياب في خاصرته، ومن ثم وفاته في المستشفى، وهو الأمر الذي نفاه وهاب مؤكدا ان الضحية قضى برصاص الدولة أي بالسلاح الأميري.

وبسلاح أميري سياسي أطلق “المير” طلال ارسلان سهامه على المختارة، مؤيدا الجاهلية ومؤنبا فرع المعلومات مباركا له هذه العراضة المعيبة، منتقدا الأمر الهميوني والمسرحية المقرفة. وقال: إذا كان وليد جنبلاط هو حامي الجبل فعلى أمن الجبل السلام.

هذه المواقف لا تحجب واقعا بات يرسم التساؤل عن الجهة التي وضعت لبنان عند خطوط محظورة، فبعضلات أمنية وبقرار سياسي أخرق كاد البلد ان يشتعل، وان تتسلل إليه العصبيات والفتن ومواجهة الاهلين بأمنهم الوطني. وفي هذا المسلك الخطر أبعد من أياد محلية تدير اللعبة، فهنا لسنا سوى أدوات تنفيذية لمشروع أكبر من البلد، يراد منه ضرب لبنان ببعضه وبنازحيه وأخذهم رهينة اللعب بالنار، وإلا كيف نفسر التزامن بين الوضع الدولي المربك، سقوط استانة، مساعي ترامب وصهره جاريد كوشنير ونتنياهو مع شبكة عربية لزعزعة استقرار لبنان من بوابات “حزب الله”، ثم كلام وزير خارجية الفاتيكان ورسالته المقلقة عن النازحين وأوامر بقائهم أميركيا وأوروبيا.

ما يرسم لهذا الوطن لن يرده إلى عصر الجاهلية فحسب، بل كاد أن يرميه في الزمن الحجري. والأزمة هنا لم تعد في التأليف ومستتبعاته، بل في غيبوبة الوعي السياسي والتصرف بعقلية الجاهلين عما يجري.