بمحيط معزول وخلف جدران اسمنتية، سيكون على النواب والوزراء غدا التسلل إلى ساحة النجمة من الممر الآمن الذي استحدثته القوى الأمنية. هي جلسة إقرار موازنة العشرين عشرين وقبل الثقة، من دون أن تشوبها عيوب دستورية لكون الوزراء الحاضرين يمثلون حكومة تصريف الأعمال، وإنما الأعمال النيابية ستكون بالنيات الوزارية السابقة، حيث ان الموازنة الماثلة بين أيدي المجلس غدا، هي فعل ماض لحكومة سعد الحريري والمنضوي فيها “مستقبل” و”اشتراكي” و”قوات” ممن أصبحوا اليوم على ضفة المعارضة، فالموازنة موازنتهم ومن بنات أرقامهم، سواء في مجلس الوزراء أو على مشرحة لجنة المال.
وإذا كان إقرارها قد أصبح مضمونا باتفاق سياسي، فإن ما هو غير مضمون سيكون في خريطة الطريق إلى المجلس، المحفوفة بمخاطر المواجهة مع المتظاهرين. وأول المنسحبين من هذه المخاطرة كان نواب حزب “الكتائب”، حيث أعلن النائب سامي الجميل أن الحزب لن يشرع لجلسة غير دستورية، ولن يناقش حكومة لم تنل ثقة أحد.
عزلت “الكتائب” نفسها عن “كورونا” نيابية، تقول نتائج فحوصها إنها قد تخضع لتطويق من غضب الناس، لكن شرطة المجلس وقوى الأمن والأجهزة بدأوا من الليلة اتخاذ الإجراءات الآيلة لعزل محيط المجلس. أما رئيس المجلس نبيه بري فهو يدخل الجلسة بقوة ضاربة، سبق وأن تركت بصماتها على أجساد أكثر من أربعين ناشطا أمام مجلس الجنوب، وأحرقت شوارع في الجناح، وتمايلت استعراضا ليليا أمام منزل النائب جميل السيد، ويشتبه في أنها أحرقت “قبضة الثورة” في النبطية، قبل أن تحرق منزل المدير العام السابق لوزارة الاعلام محمد عبيد في بلدة جبشيت.
وهذه الإنجازات الحارقة هي محصول يومين فقط، من دون احتساب مساوئ الاعتداءات السابقة على قناة “الجديد”، سواء على الأرض او في الفضاء وإلزام أصحاب الكايبل قطع البث. و”فزلكة” رئيس المجلس ستكون كما بيانات “أمل” وشرطة مجلس النواب لدى كل اعتداء: لا علاقة لنا، ومجهولون من كوكب آخر هم الفاعلون. هذه ديمقراطية رئيس برلمان مؤتمن على بيت الديمقراطيات. وإذا كان أنصاره يتصرفون مع الناس والشخصيات والمؤسسات بلغة السكين والحرق، فبأي لغة سيتحدث رئيس المجلس مع نوابه غدا؟. وأبعد من الحرص على النواب، كيف ستتصرف شرطته مع متظاهرين سيمارسون حقهم الطبيعي في الاحتجاج؟.
وفيما شرطة مجلس النواب “إيدك والضربة”، فإن قوى الأمن أصبحت اليوم تسطر بيانات تستطيع فيها أن تميز الطيب من الخبيث، المخرب من المتظاهر السلمي، وهي دأبت على مناشدة خروج السلميين من صفوف التظاهر، لكنها في الوقت نفسه لم تخبرنا مرة واحدة ماذا تفعل بالمخربين بعدما تضبطهم بالتخريب، من هم ومن أين أتوا؟، وكيف تحرص على إيصالهم بأمان إلى “بوسطات أقلتهم من مناطقهم”؟.
هو شغب منظم إذن، قوى سياسية تقف خلف حراك متحرك، وصراع أجهزة يختبىء خلف الجوع ليتحول الغضب إلى شغب، لعب مع الكبار، بأدوات الفقراء المستخدمين لمآرب سياسية تستثمر في الناس وحقوقها وأموالها المنهوبة. ولأن المال العام حق عام، من جيوب الناس أخذ وإلى جيوب الناس يجب ان يعود، فإن قناة “الجديد” بدأت وستستمر في حملة واسعة لاستعادة الأموال المنهوبة، من خلال عريضة الكترونية تجاوز عدد الموقعين عليها حتى الساعة الخمسين ألفا، والضغط الشعبي لم يعد يتطلب سوى الضغط على زر واحد، ولكل مواطن بل واجبه أن يكون صوته الالكتروني صدى لصوت المواطن الذي صرخ في بداية الانتفاضة قائلا للطبقة السياسبة: في مصاري أخدتوها، نهبتوها، سرقتوها، ردوها.