لم يعد لبنان بلدا يشتهر بالحمضيات على كتب التاريخ فالوطن الواقع على فيلق الانهيار انتقل إلى عداد الدول النفطية، موقعا أول اتفاق من نوعه مع دولة عدو بوساطة أميركية أتاحت له البدء بالاكتشاف والتنقيب.
أما رئيس الجمهورية الذي لم يأخذ أحد توقيعه فقد سال حبره على ورق الاتفاق واحتفى مناصروه بأن “ختامها نفط”، ومسك الختام على منصة المقاومة أن: المهمة أنجزت استرح بعد التأهب الشكر لكم وللحديث تتمة”.
هكذا أعطى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كلمة السر لفك حال التأهب ومنح المقاومين استراحة محارب أعقبت تدابير وإجراءات استثنائية واكبت مراحل التفاوض في ملف الترسيم بفواصلها ونقاطها وسهر لياليها كان فيها حزب الله العقل المدبر لاتفاقية الترسيم وخاض البحر نقاشا بين الخطوط وعلى أجنحة المسيرات لينتهي ملف الترسيم بين حزب الله والأميركي باتفاق “من راس لراس”.
الإدارة الأميركية لعبت دور العراب ضغطت على حليفها الإسرائيلي وتوسطت لدى الجانب اللبناني لاستجدائه شرقا بعدما أشعلت الحرب الروسية الأوكرانية أنابيب الإمداد غربا ومن معرض “أرضي” الذي تزامن ووصول الترسيم إلى النهائيات.
في رأس الناقورة طمأن الأمين العام لحزب الله إلى أن أي حديث عن التطبيع لا أساس له وأن المسؤولين في الدولة اللبنانية لم يقدموا على أي خطوة في هذا الاتجاه وقال نصرالله كلامه من واجب إهداء الإنجاز إلى المعادلة الذهبية.
وفي واقع الأمر فإن الرؤساء ومعاونيهم من الصف الثاني كانوا ” كومبارس” التفاوض، وصورة في إطار والتوقيع الرسمي ما كان لينجز لو لم تعط المقاومة الضوء الأخضر، ولو لم تكن الرقم الصعب في التفاوض، وصولا إلى النتيجة النهائية ترك نصرالله بقية الحديث إلى سبت النور.
أما في الخميس المكشوف على نهار الترسيم فاستهل بجولة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على الرؤساء الثلاثة وانتهى بمجسم للسرايا كهدية تذكارية قبل أن ينتقل والوفد المرافق إلى رأس الناقورة حيث انضم إلى الوفدين اللبناني والإسرائيلي في المقر الأممي.
وقبل الدخول إلى رأس الخيمة قدمت زوارق الاحتلال استعراضا خرقت فيه الحدود المائية وصولا إلى خط الطفافات فتسمر الوفد اللبناني في مكانه رافضا الاستمرار في المهمة قبل زوال الخرق المتعمد، والذي ما كان سيجرؤ على غير العراضة المائية لأنه سيواجه بمثلها لدى القوى المرابضة بحرا وبرا.
وبعدما عالجت قوات اليونبفيل الخرق على عين الوسيط الأميركي عادت الأمور إلى الخط المرسوم لها وفي هنغار الأمم، شكل هوكستين والسفيرتان الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو ومعهم المنسقة الخاصة للأمم المتحدة يوانا فيرو-نيسكا قوة فصل بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي, وخاضت القوة نفسها الحوار عن بعد بين الجانبين قبل أن يسلم كل فريق ورقته الموقعة على ترسيم الحدود البحرية الى الوفود الدبلوماسية.
من رأس الناقورة انتهى الترسيم البحري وجاءت المباركة من البيت الأبيض إذ هنأ الرئيس الأميركي جو بايدن لبنان وإسرائيل على إبرام اتفاقهما رسميا من أجل حل النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده لافتا إلى أن هذا الاتفاق التاريخي سيؤمن مصالح البلدين ويمهد الطريق لمنطقة أكثر استقرارا وازدهارا. ومن رأس الناقورة أعلن هوكستين الخبر: بات لدينا اتفاق “وقوموا تنهني”.