في جمهورية الروائح، لكل ملف رائحة لأن لكل ملف مجروره، فالعاصمة بيروت يحدها من الجنوب مجرور الرملة البيضاء، والحدود الإدارية للعاصمة، لجهة الشمال، يحدها مجرور معمل الذوق الحراري ومعاملِ الذوق.
وحين يمر أكثر من ستة أشهر على مجرور الرملة البيضاء من دون أن يحترم المسؤولون الشعب اللبناني، ويخبروه كيف انفجر المجرور، ولماذا، ومن يتحمل المسؤولية، عندئذ، كيف يمكن أن نصدق أن المسؤولين سيحترمون الشعب ويخبرونه: من أين تنبعث الروائح الكريهة على شاطئ الذوق؟ وما هو مصدر هذه الرغوة في بحر الذوق؟
صدقا، إنها “دويخة”… رواية تقول إن “الفيول مضروب” ورواية أخرى تحمل المسؤولية للمشغل… وبين الروايتين، يختنق أبناء منطقة الذوق ومرتادو بحرها بالإنبعاثات الكريهة والرغوة السامة، فيما الوزارات والوزراء يتقاذفون “جنس التلوث”.
ليس فقط للفيول والمجارير روائح ورغوة، فللملفات روائحها الكريهة أيضا. فحين يتحدث وزير الدفاع عن ملف يتعلق بالمدرسة الحربية، وعن ادخال بعض الضباط هذه المدرسة، وأن بعض الاشخاص الذين لهم يد في هذا الملف، وصلت الاموال لديهم على مدى خمس عشرة سنة إلى 19 مليون دولار، فهل من رائحة فساد أقوى من هذه الرائحة؟ وماذا يعني هذا الأمر؟ هل يعني غير أن كثيرين ممن دخلوا المدرسة الحربية، على مدى أكثر من عشر سنوات، دفعوا رشى ليقبلوا؟ وهل بإمكان شخص واحد، مهما علا شأنه، أن يقوم بهذا العمل منفردا؟ علما أن المعلومات تشير إلى أن هذا المبلغ ليس مرتبطا فقط بالمدرسة الحربية من دون أن تعرف مصادره وغاياته. وإذا كان غير قادر على القيام بعمله منفردا، فمن هي الأسماء شريكته؟ وهل سيطوى هذا الملف كما طوي غيره من الملفات؟ وعندئذ، ماذا يبقى منه غير الرائحة التي توازي رائحة مجرور الرملة البيضا ورائحة مجرور الذوق؟
في جمهورية الروائح، تختفي الملفات ولا يبقى منها إلا الروائح … ثمة من يقول: لا تنتظروا نتائج تحقيق في مجرور الذوق، لأنه سيلتحق بمجرور الرملة البيضاء وثمة من يقول: لا تنتظروا نتائج تحقيق في الرشى بالملايين في المدرسة الحربية لأن أحدا لن يجرؤ على الرؤوس الكبيرة.
في جمهورية الروائح لا تذكَر قيمة المواطن إلا عند زيادة الضريبة على القيمة المضافة… فلا قيمة له من دون قيمة مضافة.
في المقابل، رائحة موازنة عام 2020 بدأت انبعاثاتها منذ اليوم: المدير الاقليمي للبنك الدولي في لبنان والشرق الاوسط ساروج كومار، وبعد لقائه رئيس لجنة المال ابراهيم كنعان، ركَز على أهمية التخفيضات المالية في الموازنة، وعلى ضرورة البناء على ما جرى وتطويره في مناقشة
موازنة عام 2020.