هذه المرة، تشكيل الحكومة يبدو مختلفا عن تشكيل كل الحكومات، منذ أول حكومة ما بعد الطائف، وصولا إلى حكومة الرئيس حسان دياب.
من التسعين إلى 2004، كان السوري يشكل الحكومات. يأتي الوحي من قصر المهاجرين، تأتي كلمة السر من عنجر، فتولد الحكومة. من العام 2005، وبعد الانتخابات النيابية إلى انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان، لا حكومة من دون موافقة “حزب الله”. بدءا من عهد الرئيس ميشال عون، لا حكومة من دون ختم الثنائي الشيعي ومشاركة رئيس “التيار الوطني الحر”، شخصيا أو من يسميه، حتى حكومة الرئيس حسان دياب تشكلت وفق هذه المعايير، فكان الإختصاصيون والمستقلون إسما على غير مسمى: اختصاصي ولكن غير مستقل، أو لا اختصاصي ولا مستقل.
آلية تشكيل حكومة الرئيس مصطفى أديب مختلفة: الاليزيه حل محل قصر المهاجرين، مع فارق أن الرئيس ماكرون يقول إن فرنسا طرحت مبادرة لكنها لا تسمي ولا تطرح أسماء وزراء، ومع ذلك هناك من يقول إن رئيس المخابرات الفرنسية برنار إيمييه يملك كلمة السر، تماما كما كان اللواء غازي كنعان وبعده اللواء رستم غزالي يملكان كلمة السر، وكان الجميع يمشي، ففي الحقبة السورية وتحديدا في عهدي الرئيس الياس الهراوي واميل لحود كان وزراء المال من غير الطائفة الشيعية، حتى تسميتهم لم تكن تأتي من عين التينة أو من حارة حريك، ولم يكن الرئيس بري يقول: شكلوا ولكن من دون الثنائي الشيعي. فلماذا عدم الإعتراض مع السوري يقابله اعتراض مع الفرنسي؟.
هل كان الرئيس بري، على سبيل المثال لا الحصر، يقول للرئيس حافظ الأسد ما يقوله للرئيس ماكرون، من أنه يرفض طرح أسماء على الثنائي الشيعي لتوزيرها في حقيبة المالية؟، هل كان ليقول للرئيس حافظ الأسد وبعده للرئيس بشار الأسد: إذا قادرين تشكلوا بلانا- أي الثنائي الشيعي- شكلوا؟.
بعيدا من المقاربات والمقارنات، هل يذهب “حزب الله” بعيدا في إسقاط المبادرة الفرنسية؟، هل يخاطر بالأوراق التي بدأ يجمعها والتي كانت أولها جلوسه إلى الطاولة مع الرئيس ماكرون؟.
وأخيرا وليس آخرا، إذا صعد الرئيس المكلف مصطفى أديب إلى قصر بعبدا غدا، وعرض تشكيلته على رئيس الجمهورية، فماذا سيكون عليه موقف رئيس الجمهورية؟، هناك ثلاثة سقوف: إما الموافقة، وإما الاستمهال لدرس الأسماء، وإما الرفض. فأي السقوف سيكون مرجحا؟، وهل يكون الاستمهال، في هذه الحال، ماذا سيكون عليه موقف الرئيس المكلف؟، كيف ستتلقى باريس الإستمهال. أربع وعشرون ساعة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولكن من يخاطر بنسف المبادرة الفرنسية؟، ومن يتحمل ثمن نسفها؟.
فعلا تشكيل الحكومة مختلف هذه المرة.
في الموازاة، يستمر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في إطلاق مواقف الداخل ليسمعها الخارج وتحديدا الأميركي. ركز اليوم على ما يهم الأميركي: “حزب الله” في سوريا، ترسيم الحدود، والقرار 1701: ذكر بان الحزب بدأ يفكر بالعودة من سوريا “ونحن علينا احتضان هذا القرار”. قال إن اللبنانيين مرتبطون بالقرار 1701، وليسوا مستعدين أن يرجع لبنان منطلقا للعمليات الفدائية من أرضه.
تحدث عن “إنهاء ترسيم الخط الأزرق برا بالنقاط العالقة فيه”. لكن السؤال: هل يعني “ترسيم الخط الازرق” ترسيم الحدود؟، ويقول باسيل في هذا المجال: “أنا من يلي بيشوفوا مصلحة كاملة للبنان بإنهاء ملف الحدود على أساس ترسيم عادل إلها”.
لكن ما لم يتطرق إليه باسيل، وتطرحه واشنطن بإلحاح، هو سلاح “حزب الله”، فهل تكتفي واشنطن بهذا القدر من الاستجابة، أم تعتبر أن القفز فوق سلاح “حزب الله” خطوة غير كاملة؟.