عندما انشغلت فرنسا بمحاربة موجة تصاعد الإرهاب الجديدة على أراضيها، وخرج لبنان وتأليف حكومته من أولوياتها، حتى حكي عن توقف مبادرتها التي يقول البعض إنها أصلا خلقت بتشوهات كثيرة جعلتها غير قابلة للحياة، عادت شياطين الداخل اللبناني لتعرقل تأليف الحكومة، هذا إذا كان ما تردد عن عدم وجود عراقيل إقليمية أو دولية صحيحا.
كل طرف من الأطراف المحلية، يرمي المسؤولية على الطرف الآخر، في وقت غابت، ليس فقط الرغبة في ابتكار الحلول، إنما أيضا القدرة على تنفيذها. على هذا الأساس، شن البطريرك الراعي هجوما لاذعا على المسؤولين والسياسيين والنافذين والأحزاب، سائلا إياهم بأي حق يعرقلون تشكيل الحكومة، ومتهما كلا منهم بارتكاب جريمة في حق الوطن والمواطنين.
الجريمة السياسية وتداعياتها المالية والاقتصادية، تشبه تماما جريمة التعامل مع فيروس كورونا، التي يتحمل مسؤوليتها، المواطن والمستشفيات والدولة.
المواطن لأنه غير مقتنع بوجود كورونا أصلا. وهو كما تذاكى على الطريقة اللبنانية على التدهور المالي والاقتصادي حتى انهار كل شيء من حوله، يتنكر للفيروس ولا يقبل حتى بوضع الكمامة الحامية، حتى دخل كورونا إلى كل المنازل وخطف أحباء كثرا.
المستشفيات الخاصة، التي تكبد جزء منها خسارات مادية، لكن الجزء الآخر رفض فتح أبوابه لاستقبال المرضى، علما أنه قادر، مشترطا دفع الدولة المنهارة أصلا، مستحقاته المالية، وضاربا عرض الحائط بمهامه الإنسانية.
أما الدولة، فهي الغائب الحاضر في كل المصائب، فلا وحدة موقف تجاه التصدي للمرض، ولا خطة واضحة المعالم والأهداف، إنما تخبط وتسجيل نقاط وضياع.
بالمختصر، التصدي للمرض لم يعد خيارا لأي من المسؤولين الثلاثة، فالمعطيات خطيرة:
– قدرة المستشفيات على استقبال مرضى الفيروس تتراوح بين عشرة و15 بالمئة.
– الحالات الخطرة ينقلها المسعفون إلى أقرب المستشفيات ويسلمونها للإدارات الرافضة للاستقبال تحت الأمر الواقع، فيما الحالات الصعبة، شبه مقطوعة الأنفاس تنتظر الأسرة الفارغة، في المنزل.
– الأطباء والمسعفون تخلخلوا، بين من أصيب بالعدوى، ومن يقاتل منذ شهور، وبين من اختار الهجرة.
– المستشفيات الحكومية لم تجهز كلها حتى الساعة، ومن جهز منها مثل مستشفى رياق، والشيخ راغب حرب والريان،امتلأت أسرته بأقل من ساعة واحدة.
– أعداد الإصابات التي لامست الألفين سترتفع سريعا، وكل المعنيين من لجان صحية إلى وزارة الصحة إلى الطواقم الطبية، يعلمون ذلك.
– قرار إقفال البلد لم يتخذ بعد، لأن ما بعد الإقفال أسوأ مما قبله. فأي اقفال لكي ينجح بتخفيف سرعة انتشار المرض، يحتاج لخطة واضحة تبنى على تجهيز المستشفيات الحكومية، فتح المستشفيات الخاصة، وتأمين الدولة حوافز ومساعدات مادية للشركات والمواطنين مقابل الاغلاق.
هذه هي حقيقة الوضع اليوم، فلا خطة واضحة، ولا قدرة على تنفيذ الإغلاق بقوة القانون والدولة والحوافز والمساعدات.
وما لم يعلن من سوء الوضع حتى الآن، أننا بعد حوالى عشرة أشهر على إعلان أول إصابة بكورونا في لبنان، لا وجود رسمي لدينا لأي dashboard أو matrix table، أي لوحة رقمية أو جدول يدل علميا وبالأرقام على قدرة المستشفيات الاستيعابية، لكي ينقل المرضى إليها.
وهنا التحدي الفعلي والعلمي، فمن دون هذه الأرقام، عيب علينا نحكي عن إقفال البلد من عدمه.
إنه الفشل مجددا، روحوا اتفقوا عخطة، اشتغلوا وخففوا حكي لأنو هالمرة سيسقط الهيكل على رأس الجميع.