لماذا، وعلى من يتذاكى اللبناني هذه المرة؟. في السياسة والحكومة، يتذاكى الساسة اللبنانيون على بعضهم البعض أولا، وعلى الفرنسيين ثانيا، غير آبهين بالانهيار الذي يتقدم بشراسة أكبر يوما بعد يوم ليطال كل اللبنانيين وكل شيء.
بعد زيارة باتريك دوريل، يفترض أن تتضح الصورة الحكومية أكثر هذا الأسبوع، فالموفد الفرنسي قدم طروحات محددة، ودخل في تفاصيل الحكومة ونوعية الوزراء، الذين تريدهم باريس أخصائيين كفوئين، قادرين على تخليص البلد.
دوريل قال كلمته ومشى، فالاستحقاقات بالنسبة للفرنسيين اقتربت، وأولها المؤتمر الدولي المنوي عقده نهاية الشهر الحالي لمساعدة لبنان. ومن دون حكومة، لا مؤتمر، يعني لا مساعدات ولا أموال، فإما تشكل هذه الحكومة، وإما تسقط الفرصة الإضافية التي منحتها فرنسا للبنان، والتي ربما لن تتكرر.
فهل يتجاوب المعنيون مع الطروحات الفرنسية، فتشكل الحكومة أو يستمرون في لعبة شراء الوقت، التي ستسقط حتما أمام تدهور الوضع المالي، لا سيما أن احتياطي مصرف لبنان، الذي يؤمن المواد الأولية الضرورية، على وشك النفاد؟.
هذا في التذاكي السياسي، أما التذاكي على كورونا فصورته كالتالي: إذا كان اللبناني يتذاكى على الدولة، وعلى قرار إغلاق البلاد لمدة خمسة عشر يوما، يكون سقط في فخ الحواجز التي نصبتها قوى الأمن في كل المناطق، فسطرت في أول 24 ساعة حتى صباح اليوم، 5865 محضر مخالفة.
ضبط هذا الرقم من المخالفات في عطلة نهاية الأسبوع، لا يوحي بالخير، عندما ستعود أيام العمل اعتبارا من الغد. فاللبناني وعلى عادته، سيتذاكى الاثنين، سيحاول جس نبض الدولة فيلعب معها لعبة شد الحبال، ساعة عبر مخالفة قرار المفرد والمجوز لتنقل السيارات، وساعة عبر خرق الاستثناءات التي حددت من يسمح له بمزاولة العمل، وساعات عبر العمل في المحال التجارية من وراء الأبواب المغلقة، وصولا إلى قمة التذاكي، ألا وهي بيع المواد الغذائية في أهم محال الألبسة… وهنا للحديث تتمة.
حتى الساعة، تبدو الدولة، ولا سيما أجهزتها الأمنية، متماسكة وقادرة على ضبط الوضع، وهي أنذرت المخالفين اليوم لا سيما في الأسواق الشعبية، وأعطتهم ساعات للالتزام الكلي، فالدولة هذه المرة لن تقبل بتحديها.
على هذا الأساس، يفترض أن يجتمع مساء غد قادة الأجهزة الأمنية في السراي الحكومي، فيرفعوا التقارير عن مدى الالتزام، لسيتكملوا نهارا طويلا من لقاءات السراي حول كورونا، والتي ستشمل اجتماعات منفصلة مع كل من المستشفيات الخاصة، البنك الدولي، العاملين في إطار تأمين المساعدات الاجتماعية للعائلات الأكثر فقرا، وصولا إلى المعنيين برفع أعداد فحوص الـ pcr ضمن خطة واضحة المعالم.
هذا في التذاكي على الدولة، أما قصة اللبناني في التذاكي على المرض فمن نوع آخر، تبدأ بمن ينكر وجوده أصلا، إلى من يعتبر أنه لن يشكل أي خطر عليه. هنا أيضا يسقط المتذاكي أمام فيروس، يقول الأطباء إنهم لا يفهمون طبيعته.
لا يعرفون لماذا يقتل الفيروس مريضا دون آخر، لماذا يختار الشبان الأصحاء ليخنقهم، لماذا وكيف يتحكم وحده بتحديد مسار حياة أم أو أب او أخ أو إبن أو إبنة، أو أفظع: عائلة بأكملها ظنت للحظة أنها أقوى من العدوى وأقوى من كورونا، وأقوى من الموت.
غدا عندما يحين الفجر فتعود الحياة والحركة اعتبارا من الخامسة صباحا، تذكروا أن التذاكي لا ينفع، وأن معركة الخمسة عشر يوما تخاض على جبهتين: جبهة تحضير المستشفيات ليس فقط بالآسرة، إنما أيضا بغرف العناية المركزة وأجهزة التنفس، واستعداد الطواقم الطبية والتمريضية. وجبهة التزام المواطن الذي يحارب مرضا قادرا على تحديد مصيره، إن هو أخطأ.
والأهم تذكروا، أننا في الثلاثين من تشرين الثاني، عندما ينتهي الإغلاق العام، سندخل شهر الأعياد، فإما نعيد جميعا على رغم كل صعوباتنا، مع “تيتا وجدو وبابا وماما وخيي واختي وبنتي وابني وكل يللي بحبن”، وإما سنجلس على موائد العيد هذا، وموائد الأعياد المقبلة نفتقد شخصا نحبه صرعه كورونا، لأننا يوما ما تذاكينا.