لبنان عائم على آلاف ملفات الفساد المتراكمة ليس من اليوم بل منذ عهود وعقود. كانت تفتح غب الطلب فيأتي من يقفلها.
تنام كالخلايا النائمة لكنها لا تموت، فيأتي مجددا من يفتحها بعدما كان يعتقد أنها taboo أي من المحرمات التي لا يجوز الحكي فيها أو كشفها.
لبنان أيضا غني بالإستثناءات التي أصبحت لها مفرداتها ومصطلحاتها، وإليكم عينة منها : هذا الشخص ” مغطى ” لا يجرؤ أحد على الإقتراب منه، شخص آخر لديه حصانة من غير الممكن ذكر إسمه، هذا شخص في المؤسسة العسكرية ، وفتح ملفه ” وجعة راس”، شخص آخر في مؤسسة أمنية ” ومن يجرؤ على الإقتراب منه “؟ هذا شخص “كل الدولة بدا رضاه لأنو مظبط الكل”، شخص آخر يرتكب المعاصي في ملفات الفساد من دون أن يرف له جفن.
ومع ذلك عداد الفساد شغال متماد ، وهو ليس لملف واحد أو مدة محددة، بل لمئات الملفات ولسنوات .
لكن ما يدفع إلى الريبة ، وأحيانا إلى الأسى والمرارة، هو لتالي : إذا كان الفساد ظاهرا في الإدارة ، فأين التفتيش المركزي ؟ ألم تأته التقارير ؟ الم يقم بجولات ؟ إذا كان الفساد في المؤسسة العسكرية والإدارات الأمنية ، فأين التفتيش ؟ أين الأمن العسكري؟ أين التحقيقات ؟ إذا كان الفساد في القضاء ، فأين التفتيش القضائي ؟
يدخل الشخص إلى الإدارة أو إلى المؤسسة العسكرية أو إلى الإدارات الأمنية والمدنية، ليس ليوم أو يومين ، بل لعشرات السنين ، “بتبلش ريحتو تطلع “، لكن هذه الروائح لا تصل إلى أنوف التفتيش المركزي أو إلى التفتيش القضائي أو إلى المفتشية العامة .
يخرج الفاسد من “الدولة”، مع كل ما جناه،ولا أحد يقول له ” محلا الكحل بعينك “. يتمتع بكل ما جناه ، ويعلق بكل وقاحة على باب بيته، عفوا ” على باب قصره” جملة : ” هذا من فضل ربي ” .
محميا من المحاسبة ، يدخل غيره بقصبة فارغة ويباشر ” الدك بالقصبة ، وهكذا دواليك”.
أما آن لهذا المسلسل أن يتوقف، لتبدأ المحاسبة؟ الجرم هنا موزع: فالمرتكب مسؤول، ومغطي المرتكب مسؤول، والساكت عن المرتكب مسؤول. ولئلا تبقى الأمور على هذا المنوال، ممنوع بعد اليوم أن تكون هناك ” مربعات قضائية ومربعات إدارية ومربعات عسكرية وأمنية “.
إذا كانت الملاحقات ستبدأ فإن مقتلها أن تكون هناك استثناءات ، فإذا ما نخرت سوسة الإستثنائات الملفات، تطل الكيدية برأسها، وعندها يسقط كل إصلاح وكل امل بالإصلاح.
اموال الخزينة تبدأ بالظهور حين يغرف “إبن الدولة” من هذه الأموال.
فتشوا في خزائنهم عما كان في خزينة الدولة.
ولاختصار درب الجلجلة، لتبدأ الهيئات الرقابية، مدنية وعسكرية وقضائية، بمهامها، فأن تعمل متأخرة أفضل من أن لا تعمل أبدا.
والبداية سهلة: تعرفونهم من قصورهم، من بذخهم، من أحوال أبنائهم، من :أين كانوا ؟ وأين صاروا ؟