لا يكمن الشيطان في التفاصيل وحسب، بل في طول المدة بين الإعلان عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة، وبدء هذه الإستشارات.
من اليوم إلى الإثنين، موعد الاستشارات، ثلاثة أيام كفيلة بحرق الأعصاب لمن لا يجيد نعمة الإنتظار، فحتى قبل هذه الأيام الثلاثة، بدأت المكونات السياسية اللبنانية تتعاطى مع استحقاق التكليف على أن الرئيس نجيب ميقاتي هو الذي سيسمى.
ميقاتي ليس سعد الحريري ولا حسان دياب ولا نواف سلام ولا مصطفى أديب ولا سمير الخطيب:
لا يستطيع أن ينتظر تسعة أشهر كما انتظر الرئيس المكلف (المعتذر) سعد الحريري.
لا يستطيع أن يكون حسان دياب، كأن تشكل له حكومته ويقال له “دبر راسك”.
لا يستطيع ان يكون حقل اختبار كسمير الخطيب، ولا إسما يراه البعض مستفزا كنواف سلام، ولا كمصطفى أديب الذي كان ميقاتي أول من سماه، ليجد أن الألغام التي وضعت أمامه جعلته أسير غرفته في الفندق الذي نزل فيه في بيروت.
نجيب ميقاتي يعرف في قرارة نفسه أن الوضع لم يعد يحتمل انتظارا، وأن الأسماء التي طرحت للمناورة، لم تكن سوى “للزكزكة” لا أكثر ولا أقل، وأن تحديد رئيس الجمهورية موعد الإستشارات لم يكن متسرعا على الإطلاق، بل إن “الأنتينات” في قصر بعبدا التقطت إشارات أن ليس بالميدان سوى “نجيب”…
هبط الإسم فتحدد موعد الإستشارات، لكن ميقاتي لا يرضى أن يكون رئيسا مكلفا فقط، يريد أن يكون مؤلفا بالتوازي مع التكليف، فهل ينجح في “هندسته الحكومية”؟
وجوده خارج لبنان حتى ما بعد غد، ربما اتاح له إجراء مروحة من الإتصالات العربية والدولية، ليعود إلى لبنان قبل ثمان واربعين ساعة من بدء الاتصالات وعينه على الكتل التي ستسميه للشروع في التأليف.
خارجيا، يحظى ميقاتي بتسويق فرنسي وموافقة أميركية وبجهد مصري، لكن السؤال الدائم: ماذا عن السعودية؟ وما هو موقفها؟
معلومات موثوق بها أشارت إلى ان عملية استمزاج رأي المملكة فهم منها انها وان كانت لا تتدخل، بما يعني أنها لا تعطي موافقتها على التسمية، فإنها لن تقف حجر عثرة أمام تسميته وأمام تأليفه الحكومة.
أوساط مخضرمة إطلعت على فحوى استمزاج الرأي، قرأت فيه أن المملكة لم تقفل الباب كليا ولم تفتحه كليا، بل اعتمدت اسلوب “قبة الباط” كما يقال بالعامية، وهذه الخطوة كافية كمرحلة أولى ليحقق الرئيس المكلف، الإثنين المقبل، ما لم يحققه سلفه في التكليف.
ولكن ماذا عن مواقف الداخل؟
لا مشكلة للرئيس ميقاتي مع الثنائي الشيعي، تبقى الأنظار موجهة إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. ماذا سيكون عليه موقفه؟
المطلعون على مضمون هذا الموقف يكشفون أن باسيل يأخذ مسافة من كل هذه العملية: تسمية ومشاركة وثقة.
يوضح المطلعون فيقولون إن باسيل يعتبر نفسه غير معني، وبالتالي لن يسمي ميقاتي ولن يطلب حصة وزارية ولن يمنح حكومته الثقة، ولكن يجب التنبه إلى أن هذا الموقف عالي السقف ربما يكون فصلا في كتاب “لعبة التفاوض” التي يدركها ميقاتي جيدا، بعدما واكب جيدا مرحلة التسعة أشهر للرئيس الحريري، والتي لا يرضى أن يكررها.
وبين اليوم، ويوم الإثنين، الملفات والأزمات تتراكم:
الرئيس دياب يطلب فتح تحقيق لكشف المتلاعبين ومحتكري مادتي البنزين والمازوت، وإعلان أسمائهم الى الراي العام.
ربما فات الرئيس دياب أن وزارة الطاقة تعرفهم إسما إسما، والأجهزة الأمنية تعرفهم إسما إسما، وأصحاب الصهريج يعرفون الصهاريج التي تهرب إلى سوريا. الأسماء معروفة يا دولة الرئيس، المسألة لا تحتاج إلى تحقيق بل إلى جرأة على كشف الأسماء، فمن يجرؤ؟
هناك لوائح عار يا دولة الرئيس، رائحتها بنزين ومازوت وتمتد من الكازخانات إلى معابر التهريب.
لكن البداية من “كل يوم 4 آب” حيث لائحة العار فعلت فعلها وإن كان هناك في مجلس النواب من يرى أن اللائحة سترمم، ليبقى الرقم كافيا.