شكرا أفغانستان… مشهد الفوضى المهينة في مطار كابول، جعل إدارة بايدن تتهيب الموقف وجعلها تخشى مشهدا فوضويا آخر في عاصمة الفوضى الزاحفة إليها ربما تكون أقسى من فوضى كابول.
هجرة بحجم الهروب، ولو توافرت المستلزمات لهاجر عدد أكبر… فقدان للأدوية والمستلزمات الطبية… انقطاع للكهرباء والمحروقات… عسكر لا يلتحق بثكناته بسبب عدم قدرته المالية على التنقل… كل هذه العوامل مجتمعة شكلت لوحة قاتمة لدى واشنطن والعواصم المؤثرة، وهذه العواصم تدرك أن الحلول الترقيعية، كالبطاقة التمويلية، لا تجدي نفعا، بل المطلوب رفع البطاقة الحمراء في وجه المعرقلين الذين وصلتهم رسالة غير مشفرة: شكلوا حكومة، الآن الآن وليس غدا…
تلاقى الإلحاح الأميركي الحاسم اللهجة مع مناورة بارعة قادها الرئيس المكلف، من عناصرها:
التلويح بعدم القيام بالزيارة الرابعة عشرة إلى بعبدا إلا وفي يده التشكيلة النهائية.
التلويح بالإعتكاف وملازمة منزله إلى حين فك أسر التشكيلة.
استخدام العصا الغليظة لنادي رؤساء الحكومات السابقين لجهة رفض الثلث المعطل، متسلحا أيضا برفض هذا الثلث من الرئيس بري ومن رئيس تيار المردة.
العامل الأفغاني، معطوف على أوراق داخلية لا يستهان بها، جعلت الرئيس ميقاتي ينجز تدوير الزوايا، ولم يترك زاوية إلا ودورها، فنجح في وقت قياسي، مقارنة باوقات تشكيل الحكومات ما بعد الإنسحاب السوري عام 2005 ، في تشكيل حكومة العهد الرابعة، واعدا بالإصلاحات وبالإنتخابات النيابية والبلدية.
الرئيس عون بدا مرتاحا إلى تشكيل الحكومة، في دردشة سابقة قال إذا لم تتحسن الأوضاع “واصلين عاجهنم”، في دردشة اليوم أوضح أنه أسيئ فهم جهنم، وأننا اليوم “على المهوار … نحن نعيش جهنم حاليا ونحن سنخرج من هذه الهوة”…
الرئيس بري الذي منذ يومين قال إن الحكومة تحتاج إلى دعاء، خرج مرتاحا ليقول “حي على خير العمل”.
وإذا كان مقياس الإرتياح هو سعر الدولار، فإن الدولار في السوق السوداء بدأ نهاره ب 18000 الف ليرة لينخفض إلى 15700 ليرة، قبل ان يستقر على 16000 الف ليرة.
وفي انتظار الصورة التذكارية لحكومة ذكورية باستثناء امرأة واحدة، والجلسة الأولى لتشكيل لجنة إعداد البيان الوزاري، وطقوس التسليم والتسلم ومن ثم المثول أمام مجلس النواب لمناقشة البيان ونيل الثقة على أساسه، فإن مهمات عاجلة واستثنائية مطلوبة من هذه الحكومة ومن رئيسها بالتحديد، وقد تحدث عنها في كلمته غير المكتوبة بعد إعلان الحكومة فأجرى جولة على معاناة اللبنانيين ولم يستطع تمالك دموعه.
القهر الذي عاشه اللبنانيون على مدى ثلاثة عشر شهرا من دون حكومة، ربما يجعلهم يعطون فرصة ولو قصيرة لهذه الحكومة، بعدما ثبت بالوجه الشرعي أن كل المعالجات تبقى قاصرة ما لم يكن هناك حكومة تتولى مسؤولية السلطة التنفيذية بأوسع نطاقها لا أن تبقى الملفات المتراكمة عالقة عند حكومة تصريف أعمال بعض وزرائها معتكف وبعضهم الآخر متوار.