بعد أقلّ من شهر على تظاهرة 22 آب، يبدو الإنجاز الأوضح للحراك المدني حتّى الساعة هو تمكّنه من فضح آلة التهريج التي تحكمنا.
أبطال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة هما وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي طالب الحراك اليوم بإقالته، ورئيس جمعية تجّار بيروت نقولا شماس الذي احتلّ صدارة السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما كشف عن حقده على عامّة الناس، معلناً أنّ وسط بيروت لن يتحوّل إلى “أبو رخّوصة”.
شمّاس الذي حذّر الحراك ممّن أسماهم “بقايا الشيوعيين الذين لفظتهم روسيا”، قدّم نفسه مدافعاً عن النظام الليبرالي كمن كذب كذبةً وصدّقها. لذا، لا بدّ من تذكير السيّد شمّاس ببعض البديهيّات:
أولاً، إنّ النظام الليبرالي يقوم أوّلاً على حرية السوق ومكافحة الاحتكارات. فهل بات أصحاب الوكالات التجارية الحصرية هم المدافعون عن النظام الليبرالي، فيما الحراك المضادّ للفساد هو الخطر على الليبرالية؟
ثانياً، إنّ النظام الليبرالي يقوم على عقد اجتماعي يفرض الضرائب من أجل تحويلها إلى تقديمات اجتماعية. أمّا ما لدينا في لبنان، فهو نظام نهبٍ يجني الضرائب من جيوب المواطنين ليحوّلها إلى المصارف كفوائدَ للدَّيْن…
وعلى غرار “أبو رخّوصة”، تابع وزير الداخلية نهاد المشنوق مساره الانحداريّ. وبدلاً من فتح تحقيق بأحداث تظاهرة أمس، اتّهم المتظاهرين بأنّهم من هواة التعرّض للضرب. ولم يتورّع عن الاعتراف بأنّ اعتقال عشرات الناشطين كان بمثابة رسالة لهم، كأنّه زعيم عصابة وليس وزير داخلية. وفيما لا يزال اللبنانيون بانتظار نتائج التحقيقات التي وعد بها المشنوق بشأن دور “دولة عربية صغيرة” بتمويل وتحريض المتظاهرين، يبدو أنّه اكتشف عدوّاً جديداً هو نفسه عدوّ الشمّاس، أي الشيوعيين.
كلّ ذلك لا يدلّ إلا على التهريج بدلاً من تحمّل المسؤولية. ومكان المهرّجين هو “السيرك”، وليس سدّة المسؤولية.