لا احد من المسؤولين السياسيين سيجرؤ على اعلان رفع الدعم، واصلا، لا لزوم لذلك .
فالدعم رفع منذ اشهر طويلة، وبسياسة قضم خفية تلاشى شيئا فشيئا، تزامنا مع سرقة الدولة وجيب المواطن من قبل المحتكرين والمهربين .
اختفت المواد الغذائية المدعومة، لتليها الادوية الا القليلة منها، وبعدها المازوت، ولم يبق من المدعوم علنا سوى البنزين الذي يشهد ايامه الاخيرة .
عملية القضم دفع المواطن ثمنها في مسرحية تكررت على مراحل، وستتكرر في الايام المقبلة .
المسرحية تبدأ بفتح اعتمادات بالقطارة،تليها طوابير ذل، ثم نفاذ المخزون، ثم عذاب البحث عن المواد الاساسية وشراؤها من السوق السوداء، لتختتم بتوفر المواد فجأة بعد رفع الاسعار، فينسى المواطن كل ما سبق ويتمسك بحبل نجاة يضعه المسؤولون السياسيون والماليون حول رقبته، وهو يكاد يختنق .
واقعيا، سيتحرر سعر البنزين، وقد يستقطع باعتمادات ضيقة يمررها المصرف المركزي .
وفعليا، سيوضع اللبنانيون، الذين تخطت نسبة الفقر التي طالت عائلاتهم السبعين في المئة، امام سيناريو الفقدان الكامل لقدرتهم الشرائية .
كالعادة سيحاول المسؤولون تخفيف حجم الصدمة، وعلى هذا الاساس، يطلقون غدا البطاقة التمويلية ومعها قرض البنك الدولي المخصص للعائلات الاكثر فقرا.
هذه الاموال، التي لن تتخطى بأفضل سقوفها الـ126 $ للعائلة الواحدة، تدفع شهريا، وهي قد تعطي جرعة اوكسجين لهذه العائلات ولكنها ايضا ستمنح السياسيين جرعة رشوة جديدة، قبل الانتخابات النيابية المقبلة .
هذا ما وصلنا اليه. وقد تحول اللبنانيون الى مواطنين يعيشون على صندوق اعاشة وعلى دولارات قليلة …
وهذا كله حقيقة وليس كابوسا، والطبقة السياسية كلها، تعرف اننا لم نرتطم بعد في قعر القعر، ولكنها متلهية، فمقعد وحقيبة وزارية من هنا ، وثلث معطل ومحاولة رفع عقوبات من هناك، اهم بالنسبة لها من وطن يكاد يزول، ومن دولة تفككت حتى امسك بمفاصلها ” الزعران ” فيما طيبو البلد اما يقاتلون بصمت واما يرحلون بصمت.