ثلج زار بيروت واستحصل على حصرية البياض، في زمن كل ما يحيطه سواد، وما خلا حبات البرد اليوم فلا يتوقع اللبنانيون طقسا سياسيا اجتماعيا منفرجا، فالعواصف القادمة لن يتولاها المناخ فحسب، إنما كتل سياسية متلبدة على بعضها وتحجب عن هذا الوطن شمسا وهواء.
ووفق معايير “سبقني وبكى”، أنزل “التيار الوطني الحر” عقوباته على سعد الحريري وحمله المجلس السياسي مسؤولية المماطلة في تأليف الحكومة، رافضا ربط التأليف بتبدل الظروف وبالضغوط الحاصلة، معتبرا “أن التزام وحدة المعايير والمبادئ هو حبل نجاة للرئيس المكلف”، ومن دون مصادر لا مطلعة ولا رفيعة أو نحيفة فإن هذا الاتهام هو إخلاء مسؤوليات عن “التيار” نفسه ورئيسه جبران باسيل، الذي يشكل العقدة شبه الوحيدة أمام التأليف على معيار: “أكون، أو لا يكون رئيس إسمه سعد الحريري”.
والمؤازرة لجبران جاهزة ومستنفرة في بعبدا، عند كل لقاء كان يحصل بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف، وقد رست شروط رئيس الجمهورية على تثبيت مطلب الثلث المعطل: سبعة وزراء من دون نقاش، وبلا أي وزير استعارة من حليف أو صديق، ولن يكترث لمبادرة فرنسية أو غضب داخلي ونقطة على السطر، حتى لو سارت البلاد الى جهنم رسم طريقها بنفسه.
ثلث معطل تزينه الداخلية والدفاع، مع التمسك بتسمية الوزراء المسيحيين، معطوفا على التحكم بمسار القضاء وتشكيلاته في جيبه، وعندئذ “فليبطلوا البحر”، هو الواقع السياسي الذي لن ينفيه رئيس الجمهورية لكونه يرى أنه يخوض اليوم آخر معارك الإلغاء ويؤسس فيها للتحكم بانتخاب الرئيس الذي سيخلفه.
حفل جنون رئاسي يقرر رئيس الجمهورية في موازاته استخدام نفوذه في القضاء، وفتح ملفات تسير على قانون العقوبات وتحت جائحة: إذا كان جبران باسيل فاسدا في نظر الخزانة الأميركية، فلنفتح خزائنكم في الداخل وكلكم فاسدون”. من هنا تتطاير الملفات كبركان ثار فجأة وطفا على السطح القضائي والسياسي ووسائل أخرى، لكأن الفساد ولد اليوم والآن شعرنا بارتداداته وهو الفساد نفسه مع فاسديه بالأسماء الثلاثية، سبق وخضنا معه معارك في الجديد وصلت طلائعها الى القضاء، وحفظت بالصون.
وآخر القضايا المفتوحة لدواعي المرحلة هي في وزارة المهجرين، التي وجب إقفالها منذ زمن، ولم تفعل السلطات المتعاقبة. وإذا كانت الأسماء الواردة ظنا بالإثراء غير المشروع لا تحتمل الدفاع عنها ويمكنها أن تحمل شبهات، فإن الشبهة الأبرز هي أسلوب استخدام قضايا الفساد سلاحا للحرب نرفعه ثم نطويه، كما كانت الحال مع الفيول المغشوش ولاحقا كل استدعاءات القاضية غادة عون.
وحروب الإلغاء التي حكمت طباع الجنرال ميشال عون ستكمل خطاها، بإلغاء الرئيس المكلف والدعوة إلى تفعيل حكومة حسان دياب من جهة، مع تخمير وتشغيل المجلس الأعلى للدفاع ليكون حكومة موازية، وهذا الفعل على الخطين، يهدف الى “فعل التطفيش ” ودفع سعد الحريري إلى الاعتذار عن التكليف.
لكن المكلف لا يبدو لتاريخه أنه في هذا الوارد، سيصعد شكليا الى بعبدا يوم الاثنين وسيقدم لاحقا تشكيلة من ثمانية عشر وزيرا، بما يشبه تشكيلة التأليف الواقع خبراء ومختصين، وليرفض توقيعها رئيس الجمهورية.
الى آخر العهد رئيسان للحكومة: مكلف لم يؤلف، ومصرف لا يتصرف، وما بينهما مجلس دفاع أعلى، أنيط به اختصاص فتح المجارير وتنظيف السواقي.