في ظلمة الانسداد السياسي والوطني جاءت ومضة نور شمالية لتشق العتمة فرياح الشمال المسيحي التي طالما كانت تنفخ حزينة منذ العام 1978 اثر نهار اهدن المشؤوم هبت دافئة بفعل المصالحة التاريخية بين زعيمي القوات والمردة تحت قبة بكركي وبرعاية سيدها التي زادته المناسبة غبطة وفرحا كيف لا وقد تعانق قطبان من ابنائه بعد طول تفرقة وافتراق واذا كان من كلام في المصالحة بين القوات والمردة وتحصينها فهو ان لا يسمح المتصالحان جعجع وفرنجية لاحد بان يسرقها الى بازار السياسات الضيقة لتجريدها من بعدها الوطني فهي ليست مصالحة سياسية كيدية بمعنى اصطفاف الثنائي ضد فريق ثالث وليست تكتيكية اي انتخابية نيابية او رئاسية وليست آنية ظرفية قد يباعد بين قطبيها وناسهما انتفاء المصلحة اي ان يفشل جعجع في ادخال فرنجية صفوف الرابع عشر من آذار وهو لا يسعى او يفشل فرنجية في ادخال جعجع صف الممانعة وهو لا يسعى .
فالمصالحة تشمل كل المسيحيين وكل اللبنانيين ولبنان الدولة ولا ننسى ان التغلب على لبنان كان يتطلب تجزئة ابنائه طوائف ومذاهب وعائلات واحزاب وبناء جدران الفصل والكراهية بينهم نفسيا وجغرافيا، ولعل الضربة الاقوى هي التي فصلت موارنة الشمال عن اخوانهم في جبل لبنان وجعلت جسر المدفون جسرا لدفن الوحدة جسر قطع لا جسر وصل. المصالحة اليوم اعادت الجسر جسرا وعاد التفاعل بين القلب والرئتين واول ما واكب هذه الخطوة هو عبق بخور قدسي من قنوبين بارك المصالحة وبدد رائحة الدم الى غير رجعة. في المقابل المقلب السياسي على اسوداده فالواقع الحكومي عالق حتى الساعة على سطوح الخلافات فبعدما اسقط الرئيس الحريري المتراس السياسي والمعنوي الاخير الذي كان يحتمي به حزب الله والذي اظهر الحزب متلبسا بالقبض على عنق الحكومة والدولة لم يعد في الميدان لحلحة عقدة التأليف سوى المسعى الذي يضطلع به الوزير باسيل على مثلث بيت الوسط الضاحية سنة حزب الله، ولا تبدو المهمة سهلة على الاطلاق.