بعد الترسيمِ لن يكون كما قبلَه. إنه الإنطباعُ الذي يتكوّن عند من يتابع المشهدَ السياسيّ هذه الأيام. فعلى الصعيد الحكومي ثمةَ ضغوطٌ تُمارَسُ واتصالاتٌ تُجرى لتحريك الملفِ المُجمّد، ولتشكيل حكومةٍ تتولى إدارةَ مرحلةِ الشغورِ الرئاسي. لذلك برزت منذ يومين صيغةٌ يُعمَلُ عليها لاستيلاد حكومةٍ قبل الحادي والثلاثين من تشرين الأول. وعلى صعيد الحوارِ الوطني، برز الحراكُ السويسريُّ الهادفُ إلى عقد طاولةِ حوارٍ بين القوى السياسية في جنيف على مستوى الصفِّ الثاني، ما قد يُشكّل تمهيداً لطاولة حوارٍ تُعقد على مستوى الصفِّ الأول. والهدفُ في الحالين واحد: إيجادُ حلولٍ للأزمات المستعصية التي يعاني منها لبنان. ووفق المعلومات، فإنَّ طاولةَ الحوار في جنيف ستنعقد في شهر تشرين الثاني أي بعد بدءِ مرحلةِ الفراغ الرئاسي. ما يعني أنَّ القوى المؤثرة على الساحة اللبنانيّة قد تكون توافقت على المعادلة الآتية: تشكيلُ حكومةٍ في ربع الساعة الأخير من ولاية عون، تأجيلُ الإستحقاقِ الرئاسي حتى وصولِ الحراك السويسري وما قد يتبعه إلى نهايته، مع الإشارة إلى أنَّ كلَّ الأجواءِ المحيطة بالمسعى السويسري تفيد بأنَّ المؤتمر أو المؤتمرَين أو أكثر التي ستنعقد لحل القضيّةِ اللبنانيّة ستكون أكبرَ من دوحة وأصغرَ من الطائف، أي أكبرَ من التسوية العادية التي تم إنجازُها في الدوحة ، وأصغرَ من اتفاق تاريخي ميثاقيٍّ دستوري كاتفاق الطائف.
على اي حال مؤتمر جنيف وما قد يتبعه من مؤتمرات اصبح اكثر من ضروري، ولا سيما في ظل استباحةِ حزب الله لكل مقومات الدولة اللبنانية. آخر مظاهر الاستباحة يتجلى في بدء منظّري الحزب في اجتراح واختراع دور جديد لسلاحه . فبعد محمد رعد وكلامه امس، برز اليوم موقفُ عضو المجلس السياسي في الحزب محمود قماطي الذي اكد ان الحزب سيحافظ على ثروات لبنان النفطية والغازية وسيحميها، وانه من دون المقاومة لا يمكن حماية ثروات لبنان. فما رأي المسؤولين اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية بهذا الكلام؟ وهل ميشال عون، المؤتمن على الدستور والقائد الاعلى للقوات المسلحة، يوافق حليفَه حزب الله على نظريته الجديدة، ويعتبر انه من دون الحزب لا يمكن حماية الثروة النفطية والغازية للبنان؟
اذا كان هذا هو اقتناعُه فانه يؤدي الى رهن القرار اللبناني سنوات طويلة لسلاح الحزب ومن وراءه ومن يحركه ! ومن هنا ايضا كم تبدو “عنتريات” جبران باسيل امس بلا معنى، لانه هاجم الجميع تقريبا باستثناء حزب الله و امينه العام مثمنا مواقفهما في موضوع الترسيم. وهو في موقفه يستكمل رهن القرار اللبناني للحزب. اليس هذا الموقف الممالق بمثابة تقديم اوراق اعتماد رئاسية للحزب، عل وعسى يخلف عمه في الرئاسة الاولى؟