اليوبيل الماسي للاستقلال، لم يكن احتفاليا ولم يكن عامرا بالفرح، بل جاء بطقوسه وكأنه الاستقلال الأخير، فالناس فقدوا ثقتهم بالحكام واستنفذوا كل مخزونات الأمل التي كانوا يخبئونها لمثل هذه المناسبات، ربما لأنهم وجدوا بأن الاستقلال صار كلمة “مبهبطة” اذا ما قيست إلى لمعاني الحقيقية للكلمة.
فالسيادة منتقصة لمجرد القبول باقتسامها مع كيانات غير شرعية، والدستور مشلع بعدما صار رديف المسدس في جيب خارج على القانون، يستخدمه عندما يخدمه ويستودعه عندما لا يصب في مصلحته، والسياسة منتقصة لأن الانتخابات لا تفرز أقلية تعارض وأكثرية تحكم، ومنتقصة لأن تشكيل الحكومات يتم بموجب أعراف متغيرة يفرضها الأقوياء وليس بموجب الدستور، وإسقاطها يتم بحركات انقلابية مقنعة، والجامع بين الأمرين سطوة السلاح، فكان ان صارت الدولة قاب قوسين من الانهيار.
مما تقدم فإننا بتنا نعرف لماذا لم يعد عيد الاستقلال احتفالا وطنيا أهليا جامعا، بل صار احتفالا مقتصرا على الرسميين يفصل بينهم وبين اللبنانيين مربعات أمنية وكلاب بوليصية ومناطق عازلة.
هذا الواقع المأزوم لم يسمح بانتاج حكومات فاعلة متناغمة في السابق، ولم يسمح بتأليف حكومة منذ سبعة أشهر. في يوميات التأليف ازداد الحال سوءا ليل أمس إثر الكلام العالي ل”حزب الله”، ومفاده انه غير متمسك بالحريري “وإذا بدو يفل يفل هيدي مش آخر الدنيا”. وقد جاء كلامه معطوفا على اعلان الرئيس بري الاعتصام بالصمت والامتناع عن أي مبادرة تسهيلية.
الموقفان عبر عنهما الرئيس الحريري في قوله في بعبدا اليوم لسائليه عن الحكومة، بأن الحل ليس عنده. فيما أحال الرئيس بري سائليه عن الحكومة، على الرئيس المكلف. فيما جاءت الخلوة الرئاسية الثلاثية في بعبدا بروتوكولية خالية من أي دسم حكومي.