كأن التاريخَ والعظمةَ والتقاليدَ تجمّعت في لحظة واحدة لتعلن تشارلز ملكاً. لحظة التتويج لم تكن للملك الجديد فقط، بل لأمةٍ عرفت كيف تحافظ على تقاليدها، ولعالمٍ يحِنّ، ولو من بعيد، إلى زمن المَلَكية. منذ سبعين عاماً لم تشهد بريطانيا ولا العالم مثلَ هذا الإحتفال الرسمي المَهيب، الذي يجمع بين أُبّهة الماضي وحداثةِ الحاضرِ ورؤيةِ المستقبل. كلُّ شيء كان معدّاً بإتقان: من الجنود الذين يصطفّون على الطرقات، والناسِ الذين يلوّحون بالأيدي للملك الجديد، إلى المشهدية المؤثرة في كنيسة وستمنستر حيث الموسيقى والتراتيلُ والكراتُ الذهبية والسيوفُ المرصّعةُ بالجواهر والصولجان، إضافة طبعاً إلى التاج الملكي العريق. كلُها أمورٌ جعلت من السادس من أيار يوماً إستثنائياً لم نشهد مثلَه منذ سبعين عاماً، عند تتويجِ الملكة اليزابيت الثانية. علماً أن التتويج السابق كان قبل عصرِ انتشارِ التلفزيون وقبل زمنِ البثِ المباشر، وبالتالي فإن العالم لم يتابعَه كما تابعَه اليوم، حيث مراسمُ الإحتفالِ بدت أشبهَ بفيلم هوليووديٍ مُبهر، وفصلاً غيرَ مسبوقٍ من تلفزيون الواقع متقنِ الإخراج.
إذا صفحة جديدةٌ فُتحت في بريطانيا العظمى بدءاً من اليوم . فهل ستكون هذه الصفحةُ لمصلحة تعزيزِ المَلَكية في بريطانيا ؟ وهل سيتمكن تشارلز الثالث، بأعوامه الخمسةِِ والسبعين، من تقديم صورةٍ لنظام ملَكي جديد يحاكي الحاضرَ ويتطلع إلى المستقبل؟
واذا كانت بريطانيا توجت ملكها الجديد ، فان على لبنان ان ينتظر بعد لتتويج رئيسه الجديد. وبحسب نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي فان انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيتأخر كثيرا اذا لم تحصل عملية الانتخاب في شهر تموز. من جهته قال النائب غسان سكاف، بعد زيارته السفير السعودي وليد البخاري، ان على اللبنانيين ان يستغلوا فرصة الهدوء الاقليمي بعد الاتفاق السعودي- الايراني. وذلك لانتخاب رئيس. علما ان الجو الاقليمي ليس بهذه البساطة. صحيح ان التفاهم السعودي – الايراني في غاية الاهمية، وهو مؤشر الى امكان بدء عصر جديد في المنطقة، لكن الاتفاق المذكور لا يزال في بداياته، وايران والسعودية لم تصلا بعد الى مرحلة فتح الملف اللبناني لمناقشة تفاصيله المعقدة . وعليه، فان الانتظار سيبقى سيد الموقف حتى اتضاح الصورة الاقليمية، وهو ما تؤكده مصادر اميركية معنية بالملف البناني.
في هذا الوقت تتجه الانظار الى ما يمكن ان يحدث على الصعيد العربي، وخصوصا قبل ثلاثة عشر يوما من انعقاد القمة العربية في السعودية . ووفق المتحدث باسم جامعة الدول العربية فان اجتماع وزراء خارجية الدول العربية غدا سيبحث في عودة سوريا، وان اتخاذ قرار ايجابي في هذا الاطار وارد ، بل محتمل جدا. فهل التفاؤل في محله، ام ان الظروف في الاقليم لم تنضج بعد، لا لعودة سوريا، ولا لانتخاب رئيس للبنان؟