من جديد عزف لحن التعظيم والنشيد الوطني في باحة قصر بعبدا، ومن جديد ايضا ارتفع العلم اللبناني فوق سارية قصر الرئاسة. انه مشهد مؤثر ومعبر اشتاق اليه اللبنانيون، بقدر ما اشتاقت اليه ساحات القصر الفارغة. هكذا، وبعد سنتين وشهرين وتسعة ايام تماما على بدء الشغور، انتخب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية، فعادت الجمهورية الى الجمهورية!
هو ليس عهدا رئاسيا جديدا فقط في تاريخ لبنان، بل بداية مرحلة جديدة عنوانها الاساسي: جوزف عون. فالرجل الآتي من تجربة طويلة مميزة في المؤسسة العسكرية يعرف مكامن الخلل والضعف في الدولة. انه حارس هيكلها لسنوات وسنوات، والمؤتمن على امنها وحدودها، وها هو يصبح مؤتمنا على حاضرها ومستقبلها.
في مشيته الواثقة، ونظرته الثاقبة، ولهجته الحازمة، قدم جوزف عون، حتى في الشكل، نموذجا جديدا مختلفا عن رئيس الجمهورية.
أما في مضمون خطاب قسمه فهو ابكى اللبنانيين بقدر ما افرحهم. ابكاهم لأنهم شعروا كم ان ماضيهم أليم، وكم ان حاضرهم بائس.. لكنه في المقابل افرحهم بوعوده وتطلعاته التي رسمت افقا آخر للوطن، ومستقبلا زاهرا للدولة.
نقاط كثيرة يمكن التوقف عندها في الخطاب التاريخي، ابرزها اثنتان. الاولى الادانة الواضحة الواردة في خطاب القسم ضد الطبقة السياسية، وهي، كما نعلم، طبقة سياسية فاشلة وفاسدة ومجرمة.
وقد انتقد سوء ادارة الازمة، والاداء السياسي الفاشل، وعدم تطبيق الانظمة، ما شكل ادانة مباشرة لمعظم الجالسين في مقاعد مجلس النواب، وخصوصا لممثلي اركان الدولة العميقة التي حكمت لبنان منذ العام 1990 الى اليوم. اما النقطة الثانية فهي قوله “لا” بالخط العريض لتجارة المخدرات وتبييض الاموال، وتأكيده بكل صراحة ووضوح حق الدولة باحتكار حمل السلاح.
وهنا، كم بدا لافتا ان معظم النواب صفقوا بحرارة وقوة ووقفوا تأييدا لما قيل، فيما آثر نواب حزب الله وامل عدم التصفيق وانشغل بعضهم بمتابعة ما يرد من رسائل على هواتفهم الخلوية!
اذا رئيس جديد، ومرحلة جديدة، وخطاب سياسي رسمي جديد. فهل تؤدي الثلاثية الذهبية الجديدة الى ولادة لبنان الجديد الذي نتوق اليه جميعا؟.