الآمال بتأليف حكومة تتبخر، والأمور تجنح في هذا المجال إلى المزيد من التأزم. فبعد الرهان ولو بخجل على أن لقاءات باريس التي جمعت الرئيس الحريري بالوزير جبران باسيل، قد تفضي إلى حلحلة العقد المانعة للتأليف، بدأت التسريبات الواصلة من العاصمة الفرنسية، تشير إلى أن الرجلين أكدا تعارضهما العميق حول الثلث المعطل، إذ رفض الرئيس الحريري إعطاء هذا السلاح لرئيس الجمهورية و”التيار الحر”. علما بأن استراتيجية تبادل الحقائب بين بعض الأحزاب الرئيسة، والقائمة على قاعدة العشرات الثلاث اللاغية للثلث المعطل، كانت سائرة إلى خواتيم مقبولة، فكان أن أدت فرملة الأولى إلى إلغاء الثانية، ما أعاد عملية التأليف إلى ما دون الصفر.
والجديد المقلق الوارد من فرنسا، أن فشل اللقاءات ستتبعه قرارات جذرية تكسر المعادلة السائدة منذ تسعة أشهر، ولا يقتصر الوعيد على الوزير باسيل، بل ستكون مواقف عالية مقابلة سيتخذها الرئيس الحريري.
المنحى السلبي لعملية التأليف، كان تعزز أمس من خلال المواقف التي أطلقها السيد حسن نصرالله في حديثه التلفزيوني، فمن حيث الشكل ترك معد الحلقة ملف التأليف إلى الدقائق الأخيرة منها، وعندما تطرق إليها كرر نصرالله موقفه المساند لتوزير “التشاوري” السني، ولم يبد أي رغبة في الضغط على أعضائه لتليين موقفهم تسهيلا للافراج عن الحكومة. بل بالعكس، اهتمام السيد حسن كان كبيرا في مقارعة إسرائيل بصواريخه الدقيقة، وفي مواجهة أميركا في سوريا، وفي نصرة الحوثيين في اليمن، وفي دعم نيكولاس مادورو في فنزويلا.
هذه اللوحة تنذر بأن لبنان متروك لمصيره، تديره حكومة تصريف أعمال، ورغم كل الاعتداءات المرتكبة على الدستور، يمارس العديد من القيادات العفة المؤسساتية، ويعارضون بشدة تفعيل عمل الحكومة لإمرار الاستحقاقات المالية والاقتصادية الداهمة، كإقرار الموازنة ودفع رواتب الموظفين وغيرهما. ولا نطالب طبعا بإنقاذ مكتسبات “سيدر”، ولا بإنقاذ سمعة لبنان، فهذا ترف لا نملك ثمنه.