بدلا من أن تتحول حادثة البساتين إلى القضاء المختص وليس إلى أي قضاء خاص، ها هي تحيل مؤسسات الدولة إلى نظارة التوقيف الاحترازي، قبل أن تنقلها إلى سجن التعطيل النهائي. حتى بتنا نسأل عمن يحرر الدولة من خاطفيها، بدلا من أن نتطلع إلى اليوم الذي يدخل فيه المجرمون الحقيقيون السجون.
حادثة البساتين كشفت عري التركيبة التي بنيت على أساسها دولة الطائف، حيث الدستور ديكور، فيما مفاتيح الحكم ووسائله صممت ليديرها مفوض سام غير لبناني، فإذا غادر طوعا أم قسرا، كما حصل ذات نيسان من العام 2005، أخذ الحكم ووسائله معه، بدليل أن الدولة صارت منذ ذلك الحين أشبه بمركب- شبح يهيم على غير هدى بلا قبطان، وسط بحر هائج.
نعم لا يمكن فهم الواقع البائس الذي نتخبط فيه الآن، إذا نسينا هذه الحقيقة أو تناسيناها. والسؤال الأكثر إلحاحا الذي يطرح نفسه الآن: ماذا تفعل القيادات اللبنانية للخروج من هذا المأزق؟، لا تفعل شيئا لأنها تتخبط في بحر النتائج الكارثية للأزمات بدلا من معالجة أسبابها.
بالعودة إلى اليوميات، حادثة البساتين تتفاقم بعدما انهارت ثقة المعنيين فيها بالقضاء، كما أعلن الحزب “الاشتراكي” الذي يتهم المحكمة العسكرية بالانحياز، أو بالرضوخ للإرادة السياسية الداعمة للنائب طلال ارسلان، فيما يواصل الأخير رفضه كل المساعي.
وفي انتظار الحل غير المتوفر لهذه الأزمة، الأزمات المتناسلة تتوسع، فإلى جانب تعطيل الحكومة الذي تجاوز الأسابيع الخمسة، اشتعل سجال بين السراي وبعبدا على خلفية ما اعتبره “المستقبل” تجاوزا لصلاحيات رئيس الحكومة، الذي يعود له وحده دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد. ومن هذا السجال تفرع اشتباك أقل سخونة بين بعبدا وعين التينة على خلفية توقيت مخاطبة رئيس الجمهورية المجلس النيابي، وقد جاء يكمل سلسلة تعارضات بين “التيار الحر” و”أمل”.
في هذه الأجواء، الاشتباكات في مخيم عين الحلوة بين فصائل فلسطينية منذ ليل أمس، جاءت تتوج أسبوعا من الغليان والفوضى، ظاهرهما الاعتراض على قرارات وزير العمل تنظيم العمالة الفلسطينية، وباطنهما المحاولات الداخلية والاقليمية الحثيثة لاستغلال هذا الوضع وتوظيفه لصالح أجندات تستهدف الاستقرار في لبنان.