جمعت الدولة شتاتها وخرج قادتها من متاريس البساتين، فقيل عن الخطوة الميمونة بنبرة طفولية بأن الدولة عادت من عطلتها وعادت حكومة “إلى العمل” إلى العمل.
قد يكون الأمر صحيحا بالمفهوم المبسط الساذج، لكن الحقيقة أن الدولة بآلياتها الدستورية والقانونية لا تزال مصابة بعطل كبير وعميق، إذ يكفي أن يحصل أي حادث أمني أو غير أمني، أو أي تعارض في أي شأن تفصيلي أو جوهري حتى تحتجز المؤسسات من جديد.
والأخطر أن إصلاح العطل أو سوء التفاهم لا يتم تحت سقف المؤسسات ولا بما يقول به الكتاب، اي الدستور، بل يتم كما شاهدنا فيلم معالجة حادثة “البساتين”، بلقاء استخدمت فيه أبنية المؤسسات الرسمية ومعاقل القيادات المعنية، ولكن من خارج الأصول وروح القوانين.
وقد ذكرنا مشهد لقاء القمة في بعبدا أمس بتلك اللقاءات التي كانت تعقدها “ترويكا” الحكم في الزمن السوري، حيث كانت الأوامر العنجرية تجبر الثلاثي الحاكم على مسح الدموع وتجاوز الحرد والدستور باسم مصلحة عليا، لم تكن يوما مصلحة الدولة.
وعنجر الجديدة أو السبب القاهر الذي زرع التعقل في نفوس القيادات ، يقال إنه ثلاثي الضلع: الأول، ضغط أميركي- أوروبي كبير، أنذر المعنيين بضرورة التزام لبنان معايير القانون، لا الانتقام، في معالجة أزمة “البساتين”، وإلاسراع في تفعيل الحكومة وإلا فإن الوضعين الاقتصادي والمالي لن يكونا في مأمن من العواصف الآتية.
الثاني، شعور “حزب الله” بسخونة الوضع وبأنه لن يبقى في منأى عن العاصفة التي تتجمع، فضغط على حلفائه للقبول بتسوية الحد الأدنى.
الضلع الثالث، نشأ من تسارع وتيرة الاهتراء الاقتصادي والمالي ما سيصعب ضبطها إن استمر التعطيل.
وفي سياق متصل بمنظومة الضغط، برزت حاجة الرئيس الحريري إلى مواجهة مؤسسات التصنيف بحزمة تدابير إيجابية، تبين أن الحكومة استعادت وعيها وهي ستسارع إلى تنفيذ مندرجات موازنة 2019 لتنتقل بعدها سريعا إلى إنجاز موازنة 2020. وهذه البراهين والحجج يحتاجها هي نفسها في حقيبته في زيارته الاستلحاقية الانقاذية إلى واشنطن، بعدما بلغه بأن نظرة أميركية سلبية باتت تتكون حيال لبنان، من شأنها أن تهدد “سيدر” والدور الأميركي المساعد للجيش ودور اليونيفيل في منطقة الـ 1701.