الأزمة السيادية المزمنة التي تتخبط فيها الدولة لفقدانها حصرية قرار السلم والحرب، معطوف عليها أزمة السيادة الأمنية الداخلية المستعصية لفقدانها حصرية حمل السلاح وفرض الأمن بالقوة، يضاف إليها أزمة السلطة القضائية التاريخية لفقدانها حصرية فرض العدالة ومعاقبة المجرمين، وهذا ما بدا جليا في طريقة معالجة حادثة قبرشمون.
بعد هذه الأزمات، أطلت أمس أزمة جديدة بأنفها مزكمة كل الأنوف، على اختلاف انتماءاتها الطائفية. صحيح أنها مزمنة لكنها تأكدت أمس فاقعة مقززة، ألا وهي فقدان الدولة هيبتها البيئية، إذ تبين بالوجهين الشرعي والشارعي أن الدولة أضعف من أن تفرض على مواطنيها حلا ولو مؤقتا لأزمة نفايات مناطقية.
مسرح الحدث، إمارات الشمال ذات السيادة، حيث قال قسم من شعوب هذه المناطق، لا للحل المقترح، مفضلا السباحة في القاذورات لأنها غير صافية المعتقد، على أن يجد لها مطمرا يستوفي كامل الشروط الصحية والبيئية. فما كان من الدولة إلا أن انصاعت لهذه “الهرأة” وتراجعت، ولا حل في الأفق ولو حجبت النفايات الأفق.
في ظل مسلسل الاعتلال الذي يتابعه العالم، وخصوصا الدول المهتمة بلبنان، يواصل الرئيس سعد الحريري زيارته الرسمية إلى واشنطن، والأجواء المستقاة توحي بأنه يجد قبولا لدى الادارة الأميركية بعدم اللجوء إلى المزيد من العقوبات وأن ما يجري عندنا هو من الخصائص المواكبة تاريخيا لإدارة الدولة اللبنانية شؤونها، ولا جديد استثنائيا حصل يستدعي اجراءات أميركية عقابية استثنائية.
ويتوقع الرئيس الحريري أن تظل الولايات المتحدة على نظرتها السموحة إلى لبنان الذي لا يتحمل المزيد. فترسيم الحدود مع اسرائيل بما يخدم لبنان ويحفظ حقه في ثرواته الطبيعية، يفيد منطق الدولة على حساب منطق “حزب الله”، وكذلك تثبيت الاستقرارين النقدي والمالي والحفاظ على برامج تسليح الجيش وتدريبه، بينما تشديد العقوبات يهز الاستقرارين المذكورين ويقوي منطق الدويلة على منطق الدولة، علما بأن “حزب الله” وإيران يشوشان بقوة على هذه الزيارة.
وفي ما يشكل ترجمة لمهمة الحريري في شقها السيادي، يتوجه الرئيس ميشال عون إلى قصر بيت الدين، المقر الرئاسي الصيفي، لقضاء خمسة عشرة يوما، ناقلا معه كل علامات سيادة الجمهورية إلى الجبل الذي لا يزال يضمد جروح “البساتين” ويقتلع أشواكها، وسيلاقيه رئيس “التقدمي” ممثلا بكريمته وبلفيف من مشايخ الجبل وفاعلياته بكل آيات التكريم وحسن الاستقبال، بما يفترض أن يطوي إلى غير رجعة ما حصل من مآس، قبل “البساتين” وفيها وبعدها.