دولة الازدواجيات الملتبسة، نجحت مرة جديدة في تجديد إجازة عملها، ليس فقط على الصعيد المحلي بل على الصعيد الدولي أيضا. الرئيس الحريري نجح في إبعاد كأس تصنيف لبنان من قبل الولايات المتحدة، كدولة تابعة كليا ل”حزب الله”. ونجح في انتزاع موافقة الوزير بومبيو، على أن كارثة محققة يمكن أن يواجهها لبنان إن دفع جيشه ودولته إلى تجريد “حزب الله” من سلاحه، وسلبه دوره في تحديد أولويات لبنان القومية وعلاقاته الخارجية، وامساكه بقرار السلم والحرب. كما نجح الرئيس الحريري، مرة جديدة، في إقناع الأميركيين بأن الاستقرار في المنطقة هو من استقرار لبنان.
وقد استعادت مشهدية الغداء العائلي، الذي أقامه الحريري لبومبيو في مزرعته قرب واشنطن، صورا من المجد الغابر للرئيس الشهيد رفيق الحريري مع قيادات العالم، والتي كان يمارس خلالها ديبلوماسية الصداقات الشخصية، فكان ينتزع منهم بفضلها قرارات طالما أنقذت لبنان من أشد المحن.
لكن، هل نجح الرئيس الحريري في إقناع الأميركيين بالضغط على مؤسسات التصنيف العالمية، كي تتفهم الازدواجية الملتبسة بين لبنان الدولة ولبنان “حزب الله”، فلا تعاقب اقتصاده ونظامه المصرفي؟. الأيام المقبلة كفيلة بجلاء الأمر.
الازدواجية الملتبسة في شقها الداخلي، تجلت في انتقال الرئيس عون إلى بيت الدين، حيث استقبله “التقدمي الاشتراكي” بالترحاب، ورد له رئيس الجمهورية التحية بأفضل منها. فقد اندفع الفريقان في مغامرة علها تكون محسوبة، إذ يخشى المتابعون أن تكون استعادة الود، تمت مع الرئيس عون بصفته رئيسا للجمهورية، من دون أن تشمل مفاعيل التلاقي صفته الثانية كأب روحي مؤسس ل”التيار الوطني الحر”. يعزز هذا التساؤل، الصمت المدوي الذي يلتزمه الوزير جبران باسيل، حيال المصالحة التي رعاها الرئيس في بعبدا، وما سبقها وما سيليها.
أما التجلي الأسطع للازدواجية القاتلة، فستظهر مفاعيله لحظة إشعال الحكومة محركاتها، مع عودة الرئيس الحريري من واشنطن، واستئناف مجلس الوزراء جلساته، خصوصا أن في أدراج المجلس وعلى طاولته، عشرات الملفات المفخخة لعل أكثرها فتكا وإلحاحا، ملفات النفايات والكهرباء وتنظيم العمالة الفلسطينية والمطالب العمالية، والطعون بمشروع الموازنة وبدء الإعداد لموازنة 2020. ومعروف أن لا رؤية موحدة للموزاييك الحكومي إلى أي من هذه الملفات.