23 آب 1982. سبعة وثلاثون عاما انقضت، فهل تذكرون ماذا حصل في ذلك اليوم الاستثنائي في تاريخ لبنان؟ يومها، تحقق الحلم وصار للبنان رئيس غير عادي: شاب وصاحب خبرة، مقاوم وسياسي، ديناميكي ومتعقل، حالم وعملي. باختصار صار للبنان رئيس بقامة قائد وانتظارات مخلص، اسمه: بشير الجميل. الرئيس القائد كان يريد القضاء على جمهورية الزواريب والميليشيات والمزرعة. كان يريد بناء دولة تليق بلبنان وباللبنانيين على مشارف بدايات القرن الحادي والعشرين. لكن أهل الظلمة والظلم كمنوا له، غدروه، اغتالوا الحلم اللبناني المتجدد، وادخلوا لبنان في نفق أسود لا نهاية له حتى الان.
اليوم وبعد سنوات طويلة على غياب البشير كم نشعر ان اغتياله شكل اغتيالا لمشروع لبنان القوي والجمهورية القوية. كم نشعر ان غيابه المأساوي والموجع عمق المأساة اللبنانية وزاد اوجاع اللبنانيين. يكفي أننا وبعد غيابه نبحث عن الدولة القوية فلا نجد الا الضعف والاهتراء. نريد الدولة العادلة فلا نجد الا دولة العدالة المعلقة. نطلب دولة القانون فنجد ان حكام آخر زمان انتخبوا وعينوا مجلسا دستوريا من عشرة اعضاء، خمسة منهم لا علاقة لهم بالقانون الدستوري، ولأننا في دولة حكام آخر زمان فلا نتعجب اذا كانت اهتماماتنا في 23 آب 2019 هي الآتية: الاهتمام الاول تصنيف لبنان الائتماني وفق “ستاندرد اند بورز” و “فيتش”.
فلأن حكامنا فشلوا في ادارة الملف الاقتصادي، فان اقصى طموحهم وطموحنا ان لا نتدحرج في التصنيف وان نحافظ الى حيث وصلنا في تراجعنا التنازلي. أما على الصعيد الاداري فهم يتناتشون ما تبقى من خيرات الدولة. فالأحزاب والقيادات الكبرى تسبي الدولة، او بالاحرى ما تبقى منها، وذلك للحفاظ على سطوتها ونفوذها. هذا ما حصل بالامس عبر الطريقة التي تم بها تركيب المجلس الدستوري، وهذا ما سيحصل غدا مع التعيينات الادارية التي يتوقع ان تكون الكلمة الاولى فيها لاقتسام المواقع وتعزيز النفوذ لا لبناء الادارة العصرية الرشيدة.
أما اهم انشغالات حكام اليوم فتطبيق قانون وضع منذ اثنين وعشرين عاما يتعلق بالغاء الالقاب العثمانية والفرنسية أفلم يكن اولى بالمسؤولين ان يعملوا على استئصال روح الفساد الموروثة من زمن العثمانيين والفرنسيين بدلا ان يكتفوا بالمظهر والالقاب؟ بعد هذا العرض الموجع، هل تسألون لماذا بشير لم يمت في ضمائرنا بعد سبعة وثلاثين عاما على غيابه، ولماذا حكام آخر زمان مغيبون عن وجداننا رغم انهم لا يغيبون عن عيوننا؟