لبنان الدولة واقع في ما لا تحسد عليه أي دولة ، فالدويلة التي نشأت على حسابه كبرت وكبرت طموحاتها وارتباطاتها بحيث لم تعد الشرعية قادرة على تغطيتها ولا قادرة على إخفاء حملها.
فبعد محاولات التخفيف من مخاطر ما يقوم به حزب الله في لبنان والمنطقة، سعيا الى تهريب ما بقي سالما من سيدر، طير السيد حسن نصرالله في العاشر من محرم كل أوراق التين التي كانت تستر ضعف الدولة وكل المحرمات، وأعلنها جهارا وتكرارا أن لبنان يقع في صلب السياسة الإيرانية، إن حاربت حارب الى جانبها وإن تعرضت لعدوان ذاد عنها. وطبيعي أن يكون تحرير فلسطين فرضا شرعيا يقع تنفيذه على عاتق لبنان حتى ولو امتنع كل العرب ، وهم ممتنعون.
الحكومة التي لاذت بالصمت حيال الخروقات المتكررة لسيادتها بالمسيرات والخطب النارية، واصل رئيسها سعيه الى تحضير القواعد الإدارية والقانونية لتكون جاهزة لملاقاة المطالب الدولية المتعلقة بسيدر. وتأكيدا على هذا التوجه، حول وزير المال علي حسن خليل مشروع موازنة 2020 الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
المفارقة أن كل هذه المسرحية التراجيدية تدور فصولها تحت عيني ديفيد شنكر وعلى مسمعه، وإذ وضعت زيارته في إطار الاستطلاع ووصف بأنه منحاز لاسرائيل ، فهو استطلع و”كتر” وكون صورة مقلقة جدا عن الوضع في لبنان، وازداد انحيازا لتل أبيب.
المفارقة الثانية نضعها في خانة الإيجابية، وهي أن الدولة وفي مقابل الحدود البرية والجوية المستباحة جنوبا ، تسعى بكل ما أوتيت من قوة لضبط حدودها الجمركية وتحصينها ضد التهريب والتهرب بقاعا وشمالا، وقد استطاع الاجتماع الأمني الموسع في السراي أن يحدد عدد معابر التهريب بما يراوح بين ثمانية واثني عشر.
في الشق الآخر من استكمال الدولة ملء فراغاتها الادارية الرفيعة، يتوقع أن يعين مجلس الوزراء الخميس رئيسي مجلس القضاء الأعلى والشورى ومدعي عام التمييز والمدير العام لوزارة العدل . والمعلومات التي رشحت من كواليس القرار تفيد بأن المعينين يتحلون بالفضائل والخبرة التي يتمناها كل لبناني مخلص. فبناء الدولة العادلة يبدأ بإعلاء قصور العدل وصروحه، وبإخراج هذه السلطة من قصورها وتبعيتها للسلطة السياسية.