شهد الأسبوع المنصرم فتحا لصفحات سوداء من الماضي الذي يعتبره بعض اللبنانيين مات وشبع موتا، لكنه بدا حيا يرزق بسمومه وقباحته. لقد استعاد هذا الماضي نفسه بعودة العميل في “جيش لبنان الجنوبي” سابقا عامر الفاخوري إلى بيروت، وقد سلكت قضيته ثلاثة مسالك:
الأول، إنساني، إذ ثار ضحاياه السابقون في سجن الخيام غضبا عليه وعلى من سهل عودته، وطالبوا بمحاكمته.
المسلك الثاني، قانوني، إذ أن الفاخوري عاد بعدما بيض سجله واعتبر أن الزمن مر على أفعاله، ليفاجأ بأن قراءات أخرى لوضعه، ووضع العملاء، تفسر القانون في شكل مغاير وتجيز ملاحقتهم واعتقالهم.
المسلك الثالث، أخلاقي- انساني، انطلق من سؤال: هل هناك تمييز في العمالة بين دولة وأخرى، وهل من عميل خائن وعميل بطل؟. إذا كانت الحال كذلك، يتعين على الحكومة والقضاء إعادة تفسير العمالة، وإعداد لائحة بالدول المسموح العمالة لها والدول التي تحرم العمالة لها. وفي السياق سأل العديد من اللبنانيين الذين لهم أبناء معتقلون ومخفيون في سوريا، ألا يستحق هؤلاء من يسأل عنهم وأن يحاكم من يتعاطى مع النظام السوري الذي أخفاهم وعذبهم وقصف قراهم وأطفالهم ومدنهم؟، أم أنها نظرية مكتومة أعلنت الآن، وتقول إن هناك عميلا غالبا وعميلا مغلوبا، والغالب يفرض قانونه كما يكتب التاريخ؟.
وفي انتظار حركة رسمية جريئة، تبدد مفهوم الغالب والمغلوب من النصوص ومن النفوس ومن الأفعال، وليس في الأفق ما يشير إلى هذه الانتفاضة على الذات لدى الطبقة السياسية التي تمارس التقية وتتعايش معها وتكبر في ظلها، الحكومة تواصل “طحشتها” الأسبوع الطالع عبر البدء بمناقشة موازنة الـ 2020، وستعمل على إنجاز دفعة جديدة من التعيينات، فيما تنكب اللجنة الوزراية المتخصصة على إنجاز الخطة النهائية للنهوض بقطاع الكهرباء.
هذه النهضة ستعزز موقع الرئيس الحريري، الذي يتوجه إلى باريس محملا بجزء هام من الانجازات التي تصر عليها دول “سيدر”، وفي مقدمها راعي المؤتمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وإذا كانت مهمة الرئيس الحريري الباريسية سهلة نسبيا، فرحلة الرئيس ميشال عون إلى الأمم المتحدة للمشاركة في الأعمال السنوية لجمعيتها العامة، ستكون أكثر صعوبة بعد التعارضات العميقة الناشئة بين لبنان والأشقاء العرب، إضافة إلى التوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة على خلفية استسلام لبنان ل”حزب الله”، حسب ما تتهمه واشنطن، في وقت تتحضر واشنطن لموجة جديدة من العقوبات على لبنانيين مقربين من الحزب.
إقليميا، يمكن اختصار الوضع على المثلث الإيراني- الحوثي- السعودي، بأنه مشتعل وينذر بالأسوأ، بفعل إصرار طهران على التصعيد، وبفعل الموقف الأميركي الملتبس الذي يزيح الشبهات بضرب منشآت “أرامكو” عن طهران ويرميها على العراق.