هل تتذكرون ثورة الدواليب عام 1992؟، في شهر أيار من تلك السنة بلغ سعر صرف الدولار ثلاثة آلاف ليرة فنزل الناس الى الشوارع. وفي السادس عشر من أيار قطع المحتجون طرق لبنان بالدواليب المشتعلة، فسقطت حكومة الرئيس عمر كرامي تحت وطأة الدخان الأسود الذي ملأ العاصمة والمناطق.
اليوم تكرر المشهد في بيروت وفي بعض المناطق، وإن بأعداد أقل. لكن الرسالة التي أراد المحتجون إيصالها إلى الحكومة وصلت. الشعارات كانت قاسية وموجهة، والإحتقان الشعبي تجلى بوضوح، ومعاناة الناس تظهرت. فماذا بعد؟ هل ستسقط حكومة الرئيس الحريري كما سقطت حكومة الرئيس كرامي؟، أم أن ما كان مسموحا وممكنا وواقعيا منذ سبع وعشرين سنة، أصبح ممنوعا ومتعذرا وخياليا اليوم؟.
حتى الآن، واذا لم تتطور الأمور باتجاه تصاعدي تصعيدي، فإن الحكومة باقية وصامدة. لكن لا يمكن لأحد أن يقدر منحى الأمور في المستقبل. وعدم سقوط الحكومة لا يعني أن وضعها مريح، إذ أنها في وضع دقيق وحرج. فالنقمة الشعبية عليها تكبر وتتنامى، فيما المجتمع الدولي يطالبها باتخاذ قرارات غير شعبية لانقاذ الواقع المتردي.
فكيف بإمكان حكومة تواجه نقمة شعبية، أن تتخذ بعد قرارات غير شعبية؟، وهل يتحمل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي للبنانيين، المزيد من الضرائب الجديدة التي تدرس بعضها الحكومة لتفرضها عليهم؟.
إنه المأزق الذي يعيشه لبنان في هذه المرحلة، وهو مأزق خطر لأنه يحمل في بعض أوجهه ملامح الانهيار.