دخلت الحكومة جديا في الأمتار الأخيرة الفاصلة عن إنجاز موازنة 2020، تحركها جملة استحقاقات ضاغطة، تبدأ بقرب انتهاء المهلة الزمنية الدستورية وبارتفاع منسوب الحاجات الاجتماعية والاحتجاجات المتصاعدة على العسر الاقتصادي والمالي والتمويني، ولا تنتهي بالضغوط الدولية والعربية على لبنان كي يمارس حمية اصلاحية طال انتظارها، من دون أن ننسى الخشية المتصاعدة من أن تتمدد تداعيات ما يحصل شمال سوريا الى لبنان سياسيا وأمنيا.
في ضوء هذه المخاطر عجل مجلس الوزراء الخطوات كي ينجز الموازنة، ولكن ليس أي موازنة، فالضغوط الخارجية لإنجاز موازنة إصلاحية تتقاطع مع ضغوط تمارسها بعض المكونات الأساسية في الحكومة. والمعركة تدور بين من يريد الاصلاح الآن في متن الموازنة ومن يريد قطع وعود بالانجاز تنفذ بعد إقرارها، بحجة انقضاء المهل. وقد اعتبر رافضو التأجيل بأن هذه الاستراتيجية، قد تمر في لبنان لكنها ستلاقي رفضا قاطعا من الدول المعنية بمشروع النهوض.
في المقابل، ورغم ما تقدم فإن أوساطا حكومية اعتبرت أن تقدما تحقق في جلسة مجلس الوزراء اليوم يسمح بتوقع ولادة الموازنة الأسبوع المقبل ما لم تهب رياح جانبية تعطل هذا المسار. توازيا، صرخات التجار, الذين توقفوا في مختلف المناطق ساعة محذرين واضعي الموازنة من استسهال تحميلهم أي ضرائب جديدة، لري خزائن الدولة المتعطشة للمال، لأن اللجوء الى هذا النهج سيدمر الاقتصاد، فيما علا صوت أصحاب الأفران لحل أزمة تزويدهم بالدولار محذرين من انقطاع الرغيف. هذه الاعتبارات عالية الأهمية، حملت رئيس المجلس الى بعبدا حيث التقى الرئيس عون وأعلن بعد اللقاء أن لجنة الطوارىء التي شكلت في الثاني من ايلول ستدعى الى الاجتماع في حال تأخرت الحلول المالية و إقرارالموازنة عن الأسبوع المقبل .
إقليميا، عملية نبع السلام التركية شمال سوريا فاقمت قضية النزوح، واشعلت وابلا من الانتقادات الكونية للدور الأميركي المتخلي عن الحلفاء، وللرئيس الأميركي الذي لا صاحب له ولا صديق، وقد غذى الرئيس ترامب هذه الانتقادات بسيل من التصريحات غير المنطقية التي زادت الطين بلة وطرحت اسئلة مشروعة عن التماسك العقلي لرجل يشغل هذا الموقع الخطر.