في اقتباس مما قيل في بكركي من كلام جميل، نقول عما يجري اليوم بين الثورة وأهل السلطة، إن أهل السلطة يتكلمون تركي والثوار يتكلمون الصح. فبعدما صدحت حناجر الناس مدى ستة وعشرين يوما، بمطالب بسيطة ومختصرة وواضحة، مطالبة بحكومة اختصاصيين حياديين مصغرة، يبدو أهل السلطة في غربة مقلقة عن الواقع.
رئاسة الجمهورية تختصر كل ما يجري، بأنه انقلاب على العهد لن يمر، وهي تعمل على استنساخ حكومة شبيهة بالمستقيلة. الرئيس بري، ظل مصرا على عقد الجلسة النيابية لإمرار قانون العفو الذي يكافىء المجرمين ويحبط المظلومين من أهل الحقوق المهضومة، قبل أن يتراجع عن الجلسة لاكتشافه أهوال عقدها في الشارع وعلى الدستور.
“حزب الله” يغوص أمينه العام بأصغر التفاصيل، من الصين إلى اليمن فالعراق وصولا إلى سوريا، لكنه لما وصل إلى لبنان، زايد على الثوار وتحاشى مقاربة الوضع الحكومي، متحججا بأن الأبواب لا تزال مفتوحة أمام الحوار.
الرئيس سعد الحريري صائم عن الكلام في الشأن الحكومي، منتظرا وصول المبعوث الفرنسي، المخول الدخول من الباب الذي فتحه “حزب الله”، عله يقنع الحزب بحتمية تأليف حكومة اختصاصيين، فينقذ بذلك الحزب قبل أن ينقذ لبنان من الورطات الاقتصادية- المالية المرشحة للتوسع.
هذا في مسببات الأزمة، أما في نتائجها، فحوار الطرشان لا يزال سائدا بين ضحاياها. حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قدم للبنانيين مطالعة أكاديمية- مالية- قانونية، دافع فيها عن سياسات المركزي وأعلن لاءين : لا للـ Hair cut ولا للـ Capital control، وأكد أنه لا يضع سياسات الدولة العامة المالية بل ينفذها ويغطيها. لكنه في المقابل اتخذ التدابير الضرورية لتأمين حاجات اللبنانيين، تجارا ومودعين. جمعية المصارف أثنت على موقف الحاكم، لكنها لم تعلن تجاوبها صراحة مع توصياته، فيما أعلن موظفوها الإضراب العام، لأنهم لم يتلقوا أي قرارات تنفيذية تحميهم من غضب الزبائن.
استمرار الإنكار السياسي والإبهام المالي- الاقتصادي، قابلهما الثوار بالدعوة إلى الإضراب العام والشامل، فهل يكسر رئيس الجمهورية حلقة المراوحة القاتلة، فيحدد غدا خلال إطلالته التلفزيونية موعد الاستشارات لتكليف رئيس حكومة؟.