بعد إسقاطه الحكومة وإجبار الطبقة السياسية على قتال تراجعي مرتبك، أي أن تمانع في تلبية مطالب الثوار بتأليف حكومة اختصاصيين محايدين ولكن من دون أن تتجرأ على تأليف حكومة تتحدى هذا التوجه، ضرب الحراك الشعبي ضربة جديدة في جسد السلطة بانتخاب ملحم خلف، المستقل النزيه نقيبا لمحامي بيروت، رغم تحلق كل أحزاب السلطة المختلفة في ما بينها، ضده لإسقاطه، وترافق النصر مع الردية الأشهر للثورة: “هيلا هيلا هيلا هو النقيب مش حزبي يا حلو”.
الإنتصار الآخر الذي حققه الثوار، هو ضد السلاح إذ اقتحم أمس حدود الدويلة ببوسطة مسالمة مليئة بالمحبة والإصرار على الوحدة رابطا بين اللبنانيين، فأسقط شبح بوسطة عين الرمانة الذي لوح به مسلحو الدويلة مستحضرين زمن الحرب الأهلية والصراعات الطائفية المقيتة.
وإذ امتنع ركاب البوسطة عن مواصلة رحلتهم إلى الجنوب العميق، لعدم منح أي كان سببا لحرف الثورة عن مسارها السلمي وتلوينها بالمزيد من الدم، هذا الانتصار لاقاه الجنوبيون اليوم بتظاهرة في كفررمان الأبية، تحدى منظموها بأطفالهم ونسائهم ورجالهم كل المخاطر، رافعين الصوت في وجه الطغيان، مطالبين بقيام الدولة المدنية، دولة العدالة والقانون.
تزامنا، هجا الثوار اللبنانيون في باريس مجمل الطبقة السياسية، ودعوا أركانها إلى الرحيل، ولم يوفروا السيد حسن نصرالله.
الانتصار الآخر للثورة، هو أنها أطفأت شمعة شهرها الأول من دون أن تخبو نار الإصرار على التغيير في الصدور، فهي تستعد إلى المزيد من الساحات حتى يتحقق التغيير.
في اليوميات، وبعد أحد الشهداء، وتأكيد الثورة أنها صارت مرجعا ومرجعية وضابط إيقاع، سأل المراقبون ما إذا كان الرئيس نبيه بري سيتجرأ على عقد الجلسة التشريعية الثلثاء، والتي أجلها رئيس المجلس تحت ضغط الشارع.
في الأثناء، وفي إشارة إلى أن السلطة لم تتعظ ولم تضع تأليف الحكومة في أولوياتها، واصل أركانها معاركهم الجانبية بلا هوادة، من دون أن يعيروا أي أهمية لخطورة الأوضاع، فقد سجل اليوم هجوم عنيف من “التيار الحر” على الرئيس الحريري، عيره فيه بأنه يتعاطى مع التأليف على قاعدة “أنا أو لا أحد”. في وقت انتفض الوزير السابق محمد الصفدي في وجه الرئيس الحريري، وأصدر بيانا فصل فيه ظروف البحث في إيكال رئاسة الحكومة ‘ليه والتراجع عنه.
كل هذا يشي بأن لا استشارات ولا تكليف في المدى المنظور، إلا إذا كان هجوم “التيار الحر” على الحريري مقدمة لتكليف شخصية أخرى اقرب منه إلى العهد و”حزب الله”.
توازيا، خرج قائد الجيش العماد جوزيف عون عن صمته اليوم، فوجه بجولته على القوى المنتشرة في جوار الحراك الشعبي، رسالتين إلى من يعنيهم الأمر: الأولى صامتة، كذب فيها بمجرد ظهوره الشائعات التي قالت إنه أزيح من موقعه، والثانية إلى الحراك، قال له فيها إن الساحات كلها مفتوحة أمامه للتعبير، لكن إقفال الطرقات ممنوع.