في 11 تشرين الثاني من عام 1943 ثار الشعب اللبناني بمختلف أطيافه ضد الانتداب الفرنسي، وفي الثاني والعشرين منه انحنى الفرنسي أمام الارادة الجامعة الجامحة بالاستقلال . عشرة أيام كانت كافية لتتخلى إحدى القوتين الاستعماريتن الأكبر في العالم عن حلمها باستتباع لبنان . في 17 تشرين الأول عام 2019 ثار أحفاد الشعب نفسه بمختلف أطيافهم مطالبين حكاما من أبناء جلدتهم بأمور بديهية أبسط: دولة عصرية خالية من الفساد، قضاؤها عادل، يعيش فيها ابناؤها بمساواة و بحبوحة وازدهار. وتتوفر فيها أيضا مستلزمات الازدهار كالماء والكهرباء والطبابة والاستشفاء والطرقات والتعليم المجاني والأمن. على أن تؤمن هذه النهضة في مرحلة الاقلاع حكومة اختصاصيين حياديين. فماذا جرى ؟ ستة وثلاثون يوما افترش خلالها مئات الآلاف من اللبنانيين الأرض وملأوا الساحات مسالمين هادئين، لكن السلطة صمت اذنيها وواصل الحكام صراعاتهم أو تقاسمهم للأدوار، ولم يقدم رئيس الجمهورية على تحديد موعد للإستشارات الملزمة حتى هذه اللحظة، والبلاد في تعطيل كامل. اكثر من ذلك، لقد بدأ بعض أركان السلطة من الذين يحتفظون بسلاح كاسر للشرعية مهدد للتوازنات الوطنية، بدأوا يلوحون بثورة مضادة يستخدمون فيها شوارعهم المخدرة بأفيون فائض القوة، في مواجهة الثورة المسلحة بالحق.
كل هذا الظلم ولبنان يحتضر تحت ثقل الأزمة الاقتصادية – المالية وقد تجاوز عتبة الخراب . ماذا من هنا ؟ ومن هو يا ترى صانع الأمل بغد أفضل؟ العيون تتجه الى الرب والى مقامات القديسين والأولياء، لكنها تتجه أيضا الى قصر بعبدا حيث مقر رئيس كل المؤسسات ومحتضن كل اللبنانيين، رئيس الجمهورية. نقول هذا راجين من رئيس البلاد أن يحمل، في إطلالته الرابعة خلال شهر الثورة، بعد ربع ساعة من الآن، أن يحمل الى أبنائه الخبر المنقذ المنتظـر: كأن يقول، أيها اللبنانيون أردتم تحديد موعد الاستشارات الملزمة، وقد حددت موعدها غدا بعيد الاحتفال بعيد الاستقلال.
أردتم حكومة اختصاصيين محايدين، وسيكون لكم حكومة بهذه المواصفات يشكلها اختصاصي من هذه الطينة، لا يخجل حاضره ولا مستقبله بماضيه. فهل في هذه الخطوة انكسار أو تراجع؟ أم خطوة تدخلك التاريخ من بابه الإيجابي العريض، إذ سيكتب أنك قدت شعبك الى حيث يستحق أن يكون..وبعد، هل يرضى ميشال عون بأقل من دور بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وبشير الجميل، وباقي الرجالات الذين سطروا اسماءهم في سجلات الوطن بأحرف من ذهب.