للثقافة المشرقية قصتها مع الرقم اربعين، فالمرأة التي تبلغ الأربعين وهي بصحة جيدة بعد إنجابها طفلا، تكون تجاوزت قطوعا قد يهدد حياتها ، وكذلك مولودها يكون تجاوز مرحلة مصيرية تخوله دخول معترك الحياة و مواجهة مخاطرها.
الأربعون بالنسبة للمتوفي هي مرحلة مفصلية في مفاهيم الأديان التوحيدية ، إذ بعدها ترتقي روحه الى عالم الأموات حيث يلقى الثواب على أعماله أو العقاب، بالنسبة للثورة التي بلغت أربعينها، فهي اثبتت جدارتها بالحياة والاستمرار، أما بالنسبة للسلطة الهامدة فالأربعين تؤكد أنها ماتت جدا، وتكريم الميت بدفنه .
لكن هذا المنطق المعزز بالادلة لا يستقيم ، لإن السلطة وحلفاءها يصرون على اغتيال كل المفاهيم الانسانية والدستورية والسياسية بالإنكار ، وقد انتقلوا أمس انطلاقا من مجزرة الرينغ، الى فرض واقع انقلابي متدحرج تجلى بالمسعى الى وضع شارع مسلح ومكودر ومؤدلج، في مواجهة شعب ديموقراطي مسالم أعزل لا يطالب بامتيازات لنفسه، بل بحقوق جميع اللبنانيين المهضومة الى أي ساحة أو بيئة إنتموا، حيث الفقر المهيمن لا يميز بين لون او طائفة.
وفي ما يشبه الانفصال المرضي عن الواقع ، حملت القيادات التي حولت الرينغ امس الى حلبة مجالدة مدمرة ، حملت الجيش مسؤولية التقصير في الدفاع عن الناس.
ولم يتوقفوا هنا، بل صغروا انقلاب الأمس ووضعوه في منزلة أدنى من حادث السير المؤسف الذي أودى بشخصين على اوتوستراد الجنوب ، فاتهموا الثوار بالتسبب به ووصفوا الواقعة المأسوية بالجريمة الارهابية المروعة، ليخلصوا الى ضرورة منع تقطيع اوصال البلاد من خلال قطع الطرقات.
في مقابل كل هذا الغليان تستسهل السلطة حل الأزمة بالعصا الغليظة، كما حصل على اوتوستراد الزوق، وتسخير المحاكم وتحويلها الى مصايد للمعارضين، بدلا من المسارعة الى تحديد موعد الاستشارات .
فرغم بلوغ الوضعين الأمني والاقتصادي-المالي حافة الانهيار وإعلان الهيئات الاقتصادية الاضراب وأقفال المؤسسات ثلاثة أيام ، لا تزال السجالات الرسمية تدور حول المسائل التي طرحت غداة استقالة الحكومة.
وإذ ساد الصمت بيت الوسط واكتفت أوساط الرئيس الحريري بالقول إنه أعلن موقفه: إما حكومة تكنوقراط صافية أو هو خارج التأليف ، أعلنت اوساط العهد أنها ستغادر قريبا مربع المراوحة وتحدد موعد الاستشارات في وقت قوبل هذا الجو بتحفظ المعنيين الآخرين بالتأليف لأن الاتصالات على هذا الخط مقطوعة .
في السياق حض الموفد البريطاني ريتشارد مور السلطة على ضرورة تشكيل حكومة تأخذ بهواجس اللبنانيين ومطالبهم ، ناصحا إياها بعدم استسهال اللجوء الى العنف.
تزامنا ينعقد مجلس الأمن لبحث مآل تطبيق القرار 1701 وسط ضغوط أميركية اوروبية تدفع في اتجاه التشدد في احترامه و في حتمية تطبيقه.