المحروقات تلهب شوارع الثورة وساحاتها من جديد. ففي ظل الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المتناسلة، ضرب نفاد مادة البنزين ضربته. قطْع الطرقات عاد من جديد لكن… بصورة طبيعية هذه المرة! فالمادة الملتهبة فُقدت من سيارات كثيرة. هكذا بردت المحركات واشتعلت النفوس، فارتفعت الاصوات تطالب الدولة باتخاذ خطوة ما، كما تطالب اصحاب المحطات بتوزيع ما عندهم من المحروقات. نحن اذا أمام مأزق حياتي جديد، في ظل حكومة تصريف اعمال لا تريد ان تقوم بأي عمل، كأنها اتخذت قرارا ضمنيا بمعاقبة الناس وتأديبهم. فمن علّم المسؤولين عندنا هذه الطريقة السيئة في ممارسة المسؤولية؟ وهل يحق للحكومة المستقيلة ان تستقيل من كل مسؤولياتها لأن رئيسها يخوض حربا سياسية مع العهد؟ ففي حرب الرؤساء والزعامات والمقامات ما ذنب الناس؟ وهل على المواطنين ان يدفعوا دائما الثمن مرتين: مرة اولى اذا اتفق الزعماء والمسؤولون، ومرة ثانية متى اختلفوا؟
سياسيا، رغم كل الكلام الذي قيل ويتردد فان العقدة الحكومية مكانك راوح. حظوظ سمير الخطيب ترتفع وتهبط مثل البورصة، لكن المشكلة ليست في شخصه بل في الآلية التي تحكم تشكيل الحكومة. فالرئيس الحريري، لكي يغطي اي حكومة، يريدها كلها من التكنوقراط وبصلاحيات استثنائية، وهما امران لا يوافق عليهما الفريق الاخر الحاكم. من هنا نفهم عدم الحماسة الحريرية لضخ اجواء ايجابية، كما نفهم اسباب عدم الدعوة الى اجراء الاستشارات النيابية للتكليف في قصر بعبدا، علما ان القصر الجمهوري شهد اجتماعا ماليا اليوم تغيب عنه الرئيس الحريري وحضره بدلا منه مستشاره الاقتصادي. وقد استبق الحريري النتائج باعلان مصادره ان سبب تغيبه عن الاجتماع هو ادراكه انه بلا نتيجة. اقليميا، تطور لافت، من العراق هذه المرة، وتمثل في اعلان رئيس الوزراء العراقي عزمه على الاستقالة، وذلك بعيد دعوة المرجع الشيعي الاعلى في العراق مجلس النواب العراقي الى سحب الثقة من الحكومة. فهل نحن أمام مشهد جديد يتكون في المنطقة، انطلاقا من الضغط الاميركي المتزايد على ايران؟