يمكن اختصار واقع ما يجري منذ خمسة وأربعين يوما بحقيقتين: الأولى أن الأزمة التي دفعت الناس إلى الثورة لا تزال أسبابها قائمة، إذ أن أهل السلطة لا يزالون يعالجونها بوسائل وعقلية ما قبل الثورة، أي على قاعدة “شو بيطلعلك وشو بيطلعلي، وهذه الحقيبة مكرسة لهذه المرجعية ولهذه الطائفة، وهذه حقيبة مدهنة وهذه خدماتية دسمة وهذه سيادية”. في اختصار، البحث يدور حول كل شيء إلا في صلب القضايا الاشكالية موضع غضب الناس، وإن لم يخرج من هذه الأنانيات إلى العلن إلا القليل بعد، خشية إغضاب الناس أكثر.
الحقيقة الثانية، أن ما يجري السعي إلى علاجه، وبالمسكنات، هي الملفات التي سبقت الانتفاضة وكانت أحد مسبباتها الرئيسة: انقطاع الدولار واشتعال السوق السوداء الموازية، شح الدولار لتأمين المواد الأساسية، الطبية والغذائية والمستلزمات والمواد الضرورية للصناعة. والانفجار الأخير تسبب به قطاع النفط، وأدى إلى “ميني” ثورة شعبية، إثر توقف محطات المحروقات عن توزيع البنزين بالتكافل مع مستوردي المادة، في رد على قرار وزيرة الطاقة الاستيراد المباشر، لكن الوزيرة البستاني لم تتراجع، وفض عروض الاستيراد سيتم الاثنين.
وبالنسبة إلى الاجتماع المالي الذي جرى أمس في بعبدا، فقد أكدت مصادر مطلعة شاركت في الاجتماع، أن أي قرارات تتعلق بتخفيض الفوائد وسقوف السيولة والتحويلات لم تتخذ، إنما اقتصر الأمر على مناقشة الأفكار المذكورة، ولم يتخذ بشأنها أي قرار، وهي ستكون موضع بحث بين حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف.
إذا، مرتا الرسمية لا تزال تهتم بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد: حكومة اختصاصيين حياديين تلبي طموحات الناس. في السياق، آخر أخبار مطابخ السلطة المولجة مبدئيا تأليف الحكومة، لا تزال هبة باردة وهبة أقل برودة، ففيما تسوق أروقة بعبدا والضاحية وعين التينة، أنباء توحي وكأن الخيار وقع ولو خجولا على سمير الخطيب لتكليفه مهمة تأليف الحكومة، معللة تفاؤلها بجملة اعتبارات دولية واقليمية مساعدة، وبالوضع الاقتصادي المعيشي الضاغط، وبقبول ضمني من الرئيس الحريري، وقد ضخ وزير “حزب الله” محمود قماطي جرعة إيجابية ترفع منسوب الأمل، علما بأن القماطي لم يخف تفضيل الحزب تسمية الرئيس الحريري، ولمح إلى ليونة في موقف الأخير لجهة إمكان قبوله بحكومة تكنو- سياسية.
أما المعني الأول بالقضية، الرئيس سعد الحريري، فلا يزال يتحصن بالكتمان، ويحيل سائليه عن رأيه بالتطورات المسوقة إلى موقفه الثابت: إما أن أدخل السراي على رأس حكومة تكنوقراط أم أنا خارج السباق. تزامنا، سرت معلومات قريبة من بعبدا، لم تستبعد تحديد موعد الاستشارات الملزمة مطلع الأسبوع.
في يوميات الثورة، صفعة جديدة سددتها أمهات خطوط التماس السابقة إلى مسوقي الفتنة، إذ التقين وتعانقن على جسر فؤاد شهاب- الرينغ، وأعدنه جسر وصل لا جسر فصل بين اللبنانيين.