المآسي التي لا تنفك تزداد وتتكاثر ، حتى لا يكاد يوم يمر من دون تسجيل عملية انتحار أو حرق أو عرض كلية للبيع، هذه الوصمات على جباه الحكام، حركت ضمائرهم وأدخلتهم في مرحلة خروج بطيء من حال التجليد العميق التي هم فيها. لكن جل ما فعلته استفاقتهم من غفوة أهل الكهف، أنها سرعت دورانهم في الحلقة المفرغة على حلبة تأليف الحكومة، ولم يسجل من جولات مشروع الرئيس المكلف المقبل أنه تمكن من كسر حلقة المراوحة ليستحق دخول نادي رؤساء الحكومات ولو بعلامات استرحام.
فما ظهر من حركة سمير الخطيب اليوم، ورغم التكتم والإبهام، أن الرجل يتعرض للعبة تقاذف حامية بين أهل السلطة من طباخي التأليف. وكأن التيار الوطني والحلفاء يطالبونه بالحصول على مباركة الرئيس سعد الحريري وتفويضه الخطي والعلني بما يخوله الحصول على نسخة من دفتر شروط فريق العهد ما يضع المسكين أمام معضلتين: الأولى امتناع الرئيس الحريري عن تقديم هدايا مسبقة وتواقيع على بياض للثلاثي الذي يتربص به. والثانية ، الشروط التعجيزية التي يضعها الفريق الممانع والتي يعجز عن قبولها أي رئيس مكلف . إضافة الى هذا التعجيز، يحمل الرئيس الحريري الخطيب في رحلة عودته الى بعبدا والضاحية سلة من الشروط والمطالب التي لا يرضى بها فريق العهد و حزب الله.
وللتذكير فقط، فإن فريق العهد وحزب الله يريد حكومة تكنو-سياسية يكون الـ “تكنو” فيها صوريا، الأمر الذي يرفضه الحريري ومن ورائه الحراك الشعبي العريض، ولو لم يكونا على تحالف. فالرئيس الحريري يريد حكومة تكنوقراط خالصة لا مكان فيها للوزارء المشاكسين ولا لحزب الله. وفي السياق يجب عدم إغفال دور المؤسستين السياسية والدينية السنيتين واللتين ترفضان بصوت واحد وجهارا ، ما تعتبرانه إملاءات الثنائي الشيعي- المسيحي بقيادة الرئيس عون والسيد نصرالله .
وسط التعجيزات المتقابلة ، لم يبق أمام سيد العهد سوى مخرج واحد : الدعوة الى استشارات تفضي في نهايتها الى تكليف من يختاره النواب لتولي المهمة، فيكون الرئيس ميشال عون رد عن نفسه تهمة تعطيل التكليف والانقلاب على الدستور، ووضع الرئيس المكلف ومن وراءه في مواجهة الثوار، يقبلون به أم يرفضونه، ومن ثم يقبلون بتشكيلته الوزراية أم يرفضونها. وفي مطلق الأحوال تكون البلاد دخلت دينامية إيجابية ولو خجولة قد تخرجها من الأزمة أو قد لا تخرجها، لكنها بالتأكيد تـكسبها وقتا مستقطعا تحتاجه لإستعادة الثقة بالمؤسسات وفرملة سقوطها في الهاوية. في سياق متصل ، اعلن الوزير باسيل بعد اجتماع التكتل عدم تمسك التيار بالمشاركة في الحكومة المقبلة إذا كان ذلك يسهل التأليف ويسهل ولادة الحكومة التي يطالب بها الناس. يقرأ في هذا الموقف أمر من اثنين : الأول، شكلوا من دوننا، إذا قدرتم على ذلك، وتواجهوا مع حزب الله المصر على المشاركة. والثاني، معادلة لا باسيل في الحكومة يقابلها لا حريري، قد سلكت طريقها الى التنفيذ بما سيفتح الطريق نظريا أمام استشارات قريبة، فتكليف شخصية سنية من خارج نادي الرؤساء محاولة تأليف الحكومة المقبلة.
يسجل في بورصة الإيجابية ايضا، زيارتا رئيس التقدمي وليد جنبلاط الرئيسين بري والحريري والتي يقرأ فيهما ايضا انعطافة تؤشر الى حلحلة ما على درب استيلاد حكومة .. لكن أي حكومة؟ ومتى ؟