ميلاد مجيد، أعاده طفل المغارة على اللبنانيين بتحقيق معجزة إفراغ مغاور الجشع والسرقة والفساد، من تجار الهيكل والمرابين والعشارين الذين يتحكمون بالوطن الشهيد، ويصادرون خيراته وكرامات أبنائه. نرفع هذا الدعاء، وفي قلوب الأوادم براعم ثقة خجولة، لأن الشعب خرج من كسله وانتفض على حكامه وثبت ثورته خارج الطائفية والعشائرية، منفذا وصية الله لعبده: “إنهض أيها العبد حتى أنهض معك”.
نتوجه إلى الرب المولود وهو في مزوده الحقير، لأنه الفقير الأول والثائر الأول، ولأن اقتلاع الشر المتجذر في عقول المتحكمين بلبنان منذ عقود طويلة، يحتاج إلى قوة ربانية خارقة لكسره. وقد رأينا كيف تجمعوا كتلة متراصة لمواجهة الناس المطالبين بالعدالة والحرية.
نقول هذا، والكل عاين الهجمات المضادة العنيفة لقوى السلطة على الإنتفاضة. وكيف تدرجوا بهجماتهم من الإزدراء إلى الإنكار إلى الرهان على التعب، إلى العمل على التفريق بين الثوار، إلى العنف والقمع، إلى التطييف والمذهبة والترهيب، وصولا الآن إلى اختراع ثوار مفترضين، إنطلاقا من أن ليس للثورة هويات وشخصيات وأسماء تنضوي في أطر تنظيمية محددة ومعروفة.
وللصابرين يبدو أن الممانعة الشعبية بدأت تعطي ثمارها، باشتعال خلافات عنيفة بين حلفاء الأمس، الرئيس الحريري ورئيس “المردة” سليمان فرنجية من جهة، و”التيار الوطني الحر” من جهة، حيث بلغ تقاذف الاتهامات بالتعطيل وتأخير التأليف وتخريب الاقتصاد، أشده. وإذا حسبنا أن الرئيس الحريري هو خارج حلقة التحالف، لا يمكن إهمال واقع أن فرنجية ركن أساسي في التحالف الذي يحتضنه “حزب الله” ويضم “التيار الحر” والرئيس عون وحركة “أمل”، والذي بدوره يحتضن الرئيس المكلف حسان دياب ويرعاه.
وبحسب المتابعين، إذا لم يبادر “حزب الله” إلى رأب التصدعات في تحالفه، ويسارع إلى توحيد نظرة مكوناته إلى شكل الحكومة المقبلة، فهذا يعني أمرا من اثنين: الأول، أن الأمور أفلتت من يده أمام إصرار المنتفضين على رفض الحكومة التكنو- سياسية التي ينادي بها. الثاني، أن رئيس الجمهورية الذي بدأ يلمس أن عهده بات في خطر أكيد، أخذ يجنح نحو تأييد قيام حكومة اختصاصيين، وهذا ما عبر عنه في بكركي وإن مواربة، والخلاف هنا هو على انتماء هؤلاء مستقلين أم تابعين، إضافة إلى علامة استفهام حول أي سني سيتجرأ على المشاركة فيها.
بعدها تفرغ الرئيس عون لحواراته المباشرة والمثيرة للجدل مع الصحافيين، وعبرهم إلى الخصوم والحلفاء، وكان عنوانها اليوم حق الوزير باسيل في تشكيل الحكومة، ما استدرج رشقات من الردود العنيفة من جانب عدد من نواب “المستقبل” ومسؤوليه.