أيهما أكثر إثارة للقلق، التأخير في تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين ترضي اللبنانيين والدول الصديقة وتضع لبنان على سكة النهوض، أم خروج المسؤولين عن الشأنين المالي والنقدي من اجتماعهم في حضرة لجنة المال والموازنة من دون أن يخرج عنهم اي موقف واضح مقنعٍ يطمئن المواطنين المذعورين الى سلامة اموالهم وودائعهم ورواتبهم ومستوى معيشتهم، والأهم عدم ظهور أي مؤشر الى امكانية استرجاع المال المهرب الى الخارج أخيرا، بعدما يئسوا من امكانية استرجاع المال المنهوب؟ حتى إقرار لجنة المال موازنة 2020 مر باهتا بسبب المواقف الضبابية المذكورة.
في الشأن الحكومي ، كلما تقدمت عملية التكليف في الزمن، انكشفت الخلافات العميقة بين أهل السلطة حول شكل الحكومة وتركيبة مكوناتها واسماء وزرائها وتوزع حقائبها. ويمكن بسهولة تمييز جبهتين تتجاذبان الجنين الحكومي قبل ولادته: الأولى يقودها “حزب الله”، لا تزال تراهن على حكومة تكنوسياسية وتحلم باسترجاع الحريري الى الحظيرة، والثانية يقودها الرئيس عون وتصر على حكومة اختصاصيين، لكن الجامع المشترك بين الجبهتين هو حتمية تبعية وزراء الاختصاص لسلطتهما.
ولا تتوقف التعارضات بين الأخوة الأعداء عند هذا الحد، إذ تزدهر بين الجبهتين خلافات جانبية وصراعات ليست اقل خطورة على عملية التأليف، كالخلاف العنيف الذي اندلع بين رئيس التيار الحر جبران باسيل ورئيس “المردة” سليمان فرنجية على خلفية مد الأول يده الى الحديقة الزغرتاوية باقتراحه توزير السفير قبلان فرنجية المعادي ل”المردة”.
ولا نقلل ابدا من خطورة العطب الرئيس القادر على إجهاض عملية التأليف، والناجم عن امتناع سنة الصف الأول عن المشاركة في حكومة حسان دياب، التي تعتبرها مرجعيات الطائفة وسياسيوها حكومة باسيل، بل حكومة الخامنئي.
وفي سياق متصل، عزز وضع الرئيس العراقي برهم صالح استقالته بتصرف البرلمان رفضا لتكليف أحد رجال إيران تشكيل الحكومة، حجة الرافضين لحكومة من هذا النموذج في لبنان، في وقت يرتفع منسوب العناد لدى الطرف اللبناني الممانع، حيث يعتبر التراجع ضربا ل”حزب الله” والعهد ومن خلفهما إيران.
وسط كل المعوقات، الوضع الاقتصادي يتآكل ويغرق، متجاوزا ما بقي سالما من البنى التحتية التي تجرفها “لولو” بسيولها وأمطارها الغزيرة.