إذا كانت إنتفاضة الناس في السابع عشر من تشرين أدت الى استقالة الحكومة التي لا يريدون ، فهل تؤدي الإنتفاضة المتجددة في الرابع عشر من كانون الثاني الى تشكيل الحكومة التي يريدون، والتي ما انفكوا يطالبون بها منذ تسعين يوما؟
ما صدر من مرجعيات السلطة أنها تهيبت غضبة الأمس لشموليتها وكثافتها فأيقظتهم من لوثة الإنكار التي يغرقون فيها ، فتحركوا ولكن غريزيا نحو بعضهم بعضا أمس .
حزب الله دعا الرئيس بري الى التعالي على حرده من الرئيس المكلف. والرئيس بري سكب بدوره ماء باردا في كأس جبران باسيل، ومنح الرجلان ثمان وأربعين ساعة لدياب كي يتقدم بتشكيلة حكومية.
وعلى ما يبدو سرع دياب خطاه، فمساء جرى الحديث عن تقدم على خط التأليف وبأن الحكومة ستكون خلطة وسطية بين تشكيلة دياب وتشكيلة ثلاثي السلطة، وستتكون من ثمانية عشر وزيرا، وقد تم التوافق على الأسماء التي ستتولى الحقائب الأساسية، والعمل جار على إزالة بعض العوائق المتبقية، وهذا لا يعني بالضرورة الخلاص إذ إن الحكومة المفترضة التي يسوق بأنها قد ترى النور الخميس أو الجمعة، ستواجه اختبارين :الأول: أن ترضي التشكيلة الوليدة الناس، والثانية: آلية معاقبة دياب إذا تجاوز مهلة الثماني وأربعين ساعة ولم يشكل.
في ظل غياب النص الدستوري وتعاظم الغطاء السني الذي بدأ يكتسبه كشاغل للموقع وليس كشخص.
بالعودة الى انتفاضة أمس ، فهي أثارت الاعجاب والفرح في قلوب اللبنانيين بقدر ما أغاظت السلطة وداعميها، ومن فضائلها أنها كشفت بالأسود على الأبيض، سلمية الحراك وحضاريته، و قباحة الطفيليات التي حاولت عبثا الانغماس فيه لتشويهه وتطيير رسائل التهديد في كل اتجاه الى الصديق قبل العدو، والتي تجلت في غزوة مصرف لبنان .
هذه الغزوة التي لم يتمكن أحد من الدفاع عنها لقباحتها، لاقت شجب الرئيس بري وحزب الله ، وقد سعى بعض المعتدين الى التماهي معهما، و شجبا عنيفا من الرئيس الحريري الذي رفض استباحة بيروت ودافع بقوة عن حاكم المركزي .
لكن الأخطر في ما جرى ليس العناوين الداخلية التي استهدفتها رسائل الغزوة، بل العناوين الخارجية، وكأن مرسليها أرادوا زكزكة الأميركيين من بوابة الرد غير العسكري على مقتل سليماني، إذ يعتبر حزب الله رياض سلامة جزءا من المنظومة الأميركية التي تستتبع لبنان ماليا وتسليحيا، وبالتالي لا بأس من التهويل على واشنطن عبر سلامة لتحذيرها بأن هذا الاحتكار مرشح للتبديل أو قابل للتبديل.
وفي سياق متصل، كانت لافتة تغريدة ممثل الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش التي اتخذت طابع بهدلة موصوفة وغير مألوفة للطبقة الحاكمة، إذ حملها كامل مسؤولية الفوضى والانهيار قائلا: “لا تلوموا الناس على انتفاضتهم بل لوموا أنفسكم”.