النأي بالنفس ، والسعي الى عدم الاصطباغ بألوان حزب الله وإعداد برنامج إنقاذي جدي وعملي ، فقراته الأولى تعلن الحرب على الفساد .
هذه النصائح التي تصدح بها حناجر المنتفضين وتوصي بها كل التقارير والنصائح الغربية والعربية لأهل الحكم ، يجب أن تشكـل ثلاثيتهم الذهبية الجديدة ، وإلا فلا ثقة من الداخل ، ولا مساعدات من الخارج للبنان .
أكثر من ذلك ، فإن المخاطر كبيرة بأن يترك لبنان لمصير أسود .
لكن على ما يبدو فإن المكابرة لا تزال هي العنوان العريض والسمة الغالبة على تصرفات أهل الحكم .
إذ لا يتعاطى هؤلاء مع ما تقدم كحقائق آتية ، فبعد تشكيلتهم الحكومية المعتورة ، يواصلون نهجهم الاستعلائي ، إذ يحكى عن بيانهم الوزاري أنه سيكون مستنسخا عن البيانات الخشبية السابقة ، وبدلا من استرضاء الناس بما هو حق لهم ، يعمل الرؤساء على بناء طرقات مسيجة بالأسلاك الشائكة والعسكر والمدرعات ، وصولا الى إعلان حال الطوارىء ومنع التجول إذا دعت الحاجة ، فقط لتمكين الحكومة من الوصول الى المجلس النيابي لنيل ثقة نواب فقدوا ثقة اللبنانيين وتفويضهم .
كل هذا الاستكبار ، علما بأن أهل الحكم والحكومة تلقوا فترة سماح من عدد كبير من المرجعيات المحلية والدولية ، لكنهم على ما يبدو اعتبروها بداية قطاف مكاسب سياسة التشدد والعناد.
توازيا ، سكرة التأليف وحفلة الصور التذكارية والتهاني سرعان ما بدأت تتبدد ، وقد بدأ الوزراء الجدد ، يتذوقون مرارة دخولهم جهنم الحكم ، إذ فوجئوا ، وهم في صميم احتفاليات التسليم والتسلم ، انهم تسلـموا من أسلافهم وزارات مفلسة .
والمفارقة أن معظم الوزراء الجدد كانوا مستشارين ومعاونين للوزراء الذين خلفوهم في الحكومة اليوم .
والمفارقة الأدهى انهم سرعان ما دخلوا لحظات الحقيقة وبدأوا يسألون مثل الناس المنتفضين: أين أهدرت المليارات ؟ .
في السياق ، بادر وزير الطاقة اللبنانيين بأن لا يتوقـعوا كهرباء في السنتين المقبلتين ، ووزير المالية بالمزيد من شد الأحزمة والضرائب وسنوات عجاف للخروج من الأزمة ، وسيحذو كل الوزراء حذوهما تباعا .
في الأثناء ، ظاهرة مؤلمة بدأت تتمأسس : اعتداءات ميليشيات معروفة على الناس والصحافة ، و الـ mtv نالت نصيبها منها أمس أيضا وتكرارا ، وجنوح بعض المندسين في الانتفاضة الى العنف المفرط ، فيما قوى السلطة تمارس الأمن انتقائيا ، وتدير الظهر للممارسات الشاذة وكأنها تحصل على حدود دولة أخرى وعلى شعب غريب.