اذا، وبعد سنتين كاملتين من التأجيل والمماطلة أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب خطته لانهاء الصراع الصهيوني- الفلسطيني.
الخطة التي سميت اصطلاحا بصفقة القرن لم تحمل مفاجآت كثيرة، اذ ان بنودا كثيرة منها كانت قد تسربت على مر الأيام والاشهر، وهي في معظمها أتت لمصلحة اسرائيل. لكن الاعلان عنها اليوم، وفي اطار احتفالية مميزة في البيت الابيض، يمنحها صفة الجدية ويحولها من مجرد مشروع نظري الى خطة عملية تنفيذية مكتوبة من ثمانين صفحة.
فهل يتحقق هذا الامر؟ اي هل ان صفقة القرن قابلة للتنفيذ، ام ان مندرجاتها ستبقى عصية على التحقق، وبالتالي فانها ستبقى مجرد حبر على ورق؟ الاجابة برسم المستقبلين 2 القريب والمتوسط.
لكن الاكيد ان صفقة القرن ستنقل المنطقة العربية من حال الى حال، وستضعها في عين العاصفة من جديد. فالعرب، كالعادة، في مواجهة الصفقة عربان2. فثمة من يريدها ويعتبرها واقعية وافضل الممكن. في المقابل ثمة من يعتبرها اتفاق اذعان واستسلام لا أكثر ولا أقل. ونتيجة لذلك هناك من يرى ان المنطقة مقبلة على فصول جديدة من التوترات المتنقلة، التي قد تتحول في بعض المناطق الى صراعات مسلحة دموية.
فهل نخطو اليوم خطوة كبيرة باتجاه السلام كما قال الرئيس ترامب، أم اننا نخطو خطوات متسارعة باتجاه الحروب المدمرة؟ تزامنا، الصراع في لبنان لا يزال محتدما بين السلطة والمنتفضين في الشارع. آخر فصول الصراع: محاولة قوى الامن فتح الطريق بين مبنى جريدة “النهار” و مسجد محمد الامين، بعدما تحولت ومنذ السابع عشر من تشرين الاول ساحة للمنتفضين ولانشطتهم ولخيمهم .
طبعا المحاولة باءت بالفشل، لأن المنتفضين تداعوا بسرعة للنزول الى الساحتين مانعين القوى الامنية من تحقيق مخططاتها. فماذا تريد الحكومة الجديدة من خلال هذا القرار؟ هل تعتقد انه من خلال الغاء الساحتين يمكنها ان تلغي روح الانتفاضة في قلوب الناس؟ وهل تتوهم للحظة انها تستطيع بالقوة ان تعيد عقارب الزمن الى الوراء، فيعود لبنان الى ما قبل السابع عشر من تشرين؟ ان الحكومة الجديدة تثبت يوما بعد يوم كم انها بعيدة عن نبض الشارع والناس .
فكما سجنت نفسها داخل اسوار مغلقة ومكعبات الاسمنت والاسلاك الشائكة، فانها حبست افكارها في الماضي فلم تدرك ان لبنان تغير، وان الناس تغيروا، وهم يرفضون وينبذون طبقة حاكمة أفقرتهم وجوعتهم وهجرتهم واذلتهم . فيا حضرة رئيس الحكومة ووزير الداخلية : لا تحاولا ان تعالجا بالامن ما يجب ان يعالـج بالسياسة، وتذكرا وانتما في بداية تسلمكما مقدرات السلطة ان كل السلطات تزول وتندثر، اما سلطة الشعب فتبقى الى الابد.