من حسنات إطلالة الرئيس سعد الحريري، أنها رمت حجرا في مستنقع الحياة السياسية الراكد، في شقها المتعلق بمآل التحالفات والإصطفافات، وقد أحدثت الانتفاضة الشعبية شروخا عميقة في العلاقات البينية بين الحلفاء، ك”القوات” و”المستقبل”، و”المستقبل” و”التيار الوطني الحر”.
وإذا دخلنا إلى فحوى الرسائل التي وجهها زعيم “المستقبل” إلى هذين العنوانين، نجد بأن هجمته على ال “كوبل” الرئاسي، عون- باسيل و”القوات اللبنانية” وآخرين، طرحت أسئلة جوهرية حول موقفه:
– تحاشيه توجيه التحية إلى “القوات” وهو سيحتاجها إذا أراد العودة إلى الحياة السياسية، وهو أكد أنه عائد إليها وباق.
– تركيزه على التحالف مع وليد جنبلاط، وهو تحالف ضروري لكنه غير كاف.
– دغدغته من هم معه من أهل السنة، وإعراضه عن “الزعلانين” في الطائفة، وهم في صلب التيار الأزرق ومن أشد مريديه، عندما تفادى انتقاد “حزب الله”، ونحن في زمن صدور الحكم في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عن المحكمة الدولية.
– غياب الخطاب الدولتي والمشروع النهضوي، وهذه أدبيات لم تغب يوما عن خطاب الحريرية السياسية في أشد الظروف الأمنية والسياسية اسودادا، بل هي علة وجود التيار الأزرق، والنقطة الأكثر تميزا وجاذبية وجذبا للجماهير.
من هذه النقاط يمكن الاستنتاج بأن الحريري و”المستقبل” سيكتفيان بمعارضة صوتية، وبانتظار جثة الحكومة ورعاتها من على شرفة “بيت الوسط”، من دون اللجوء إلى تكوين جبهة معارضة عريضة، كالتي تكتلت يوما لإخراج السوريين ولكسب الإنتخابات النيابية. وطبيعي ان يكون هم هذه الجبهة، استرجاع السيادة، والعمل على بناء دولة عصرية تستقطب اهتمام الدول الداعمة تاريخيا للبنان، وتستعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم، ونحن في خضم كارثة اقتصادية- مالية كبرى.
في الانتظار، لبنان يعيش أعلى درجات القلق، أقله على خط الشعب، والخوف من الحلول الآتية بات أكبر من ألم عيش المعاناة اليومية في ظل الأزمة المستفحلة. صحة ما نورده تنبع من أن الناس الذين قهرهم امتناع الدولة عن إيجاد حلول لبنانية- بلدية، وهي قادرة على ذلك، يرتعدون الآن من الحلول المقترحة أو التي سيفرضها صندوق النقد، أو أي مؤسسة دولية أو أممية نطرق بابها. وكلها من الصنف الذي يكسر الظهور، فنظرة خاطفة موجزة على سلة التدابير التي ستسقط على اللبنانيين كالصواعق، تكفي لتبرير خوفهم، وفيها: تخفيض المعاشات التقاعدية، تخفيض أجور القطاع العام وتخفيف عديده، رفع الدعم عن الطحين والمحروقات، رفع الـ tva إلى 20%، تحرير سعر صرف الدولار وتشريع ال”كابيتال كونترول”.
والأنكى أن كل هذا سيتم في غياب الشفافية والحوكمة الرشيدة. والأخطر، أنها ستتم في غياب الحوافز والتقديمات الاجتماعية والنقل المشترك، واستسهال الحكومة اللجوء إلى سياسة المساعدات والاعاشة لشعب أبي ما تعود مد اليد والاستعطاء.