من قصر الرئاسة إلى السرايا الحكومية: إنه يوم استثنائي وحزين في تاريخ لبنان. استثنائي لأن الدولة جندت كل امكاناتها وما تبقى من قواها لاعلان قرار بشأن سندات اليوروبندز. وحزين لأنه للمرة الأولى منذ نيل لبنان استقلاله في العام 1943، تتخلف دولته عن سداد ديونها، ما يهدد بتحولها دولة متعثرة. وصفة التعثر سلبية جدا على حاضر لبنان ومستقبله، ولها تداعيات قاسية ومؤلمة على التصنيف الائتماني للدولة وعلى الثقة بها وبصورتها وسمعتها.
إن القرار الذي أعلنه الرئيس حسان دياب قبل قليل، باسم الدولة اللبنانية، والذي علق فيه دفع الاستحقاقات المالية، يطرح أكثر من علامة استفهام. فطالما أن الحكومة كانت تعرف أنها لا تريد أو لا تستطيع أن تسدد الديون المستحقة عليها، فلماذا أجلت القرار التاريخي إلى اللحظات الأخيرة، أي قبل يومين تماما من موعد الاستحقاق؟. ولماذا لم تخض مفاوضات جادة وعميقة مع الجهات الدائنة، توصلا إلى محاولة الحد من الآثار السلبية لتعليق الدفع؟. والأهم: هل القرار الذي اتخذ هو حقيقة القرار الصائب، أم أنه القرار الذي دفعت إليه الحكومة دفعا بضغط سياسي معين، وتحديدا من الثنائي الشيعي، المهيمن والمسيطر على قرارها؟.
إن الكلمة التي وجهها الرئيس دياب إلى اللبنانيين لم تكن مقنعة كثيرا. فهو تحدث عن عدو يسطو على مقدرات اللبنانيين، كما أكد أن على لبنان أن يخوض معركة استقلال جديدة. لكن دياب لم يحدد من هو العدو، كما لم يسم من المحتل الذي على اللبنانيين أن يخوضوا معركة استقلال ضده. فهل دياب يعتبر الدائنين في مثابة أعداء وفي مثابة محتلين؟. أكثر من ذلك، كلمة دياب كانت موجهة إلى اللبنانيين فقط، في حين كان مطلوبا منه أن يتوجه أيضا إلى الجهات الدائنة. فمشكلته ليست مع أبناء شعبه بل مع مؤسسات دولية مرتبطة بدول وحكومات. فلماذا دفن رأسه في الرمل، ولم يتوجه إلى هذه المؤسسات والدول؟.
أخيرا، إن المشكلة الاقتصادية والمالية في لبنان لها جذور سياسية عميقة. فمعظم ما يحصل هو نتيجة تفضيل الدولة خيار المقاومة والممانعة على خيار المجتمع الدولي والشرعية الدولية. وبالتالي، فإن قرار اليوم هو اعلان خروج لبنان من الشرعية الدولية الاقتصادية، بعدما خرج من الشرعية الدولية الدستورية. وهذا يعني أننا أمام مرحلة مواجهة جديدة. فهل تتحمل حكومة دياب نتائج هذه المواجهة، أم أنها ستذهب ضحيتها، بعد أن تكون قد ضحت بمصالح اللبنانيين؟.