اليوم التاسع من آذار، دخل قرار الحكومة بالامتناع عن سداد اليوروبوندز حيز التنفيذ، هذا الواقع صار معروفا وإن رفضته فئات لبنانية مهنية وسياسية وشعبية ، ليس من باب محاسبي رقمي بل من ناحية عاطفية، فهي المرة الأولى التي يتخلف فيها لبنان عن الإيفاء بديونه.
كما رفضته هذه الفئات لأن قرار الحكومة يؤشر الى تخلي لبنان عن نهجه الاقتصادي الليبرالي واقتياده على أيدي البعض، وتحديدا حزب الله، الى تبني نهج تأميمي سيخرجه من المنظومة الدولية. وإذ يدافع المدافعون عن الموقف الحكومي، و منهم معارضون وموالون، معتبرين أن الدولة لم تترك لنفسها هامشا يتيح لها أي تصرف آخر أو مناورة، يعللون تأييدهم القرار بأمرين: إن الدولة كانت تخفي عن شعبها وعن دائنيها وداعميها حقيقة وضعها المالي لعقود، الى أن حلت الكارثة، وقد دقت ساعة الحقيقة.
والثاني أنه حان الوقت لمواجهة الواقع المشخص، باللجوء الى حلول مؤلمة موجعة كيميائية للخروج من الأزمة. لكن ما هو غير معروف حتى الساعة هو ردة فعل الدائنين وهؤلاء لا ينحصرون بالمستفيدين من اليوروبوندز بل يتعدونهم الى كل الدائنين الذي سيتأثرون بإعادة هيكلة لبنان دينه العام: هل سيقبلون بالتفاوض الهادىء مع الدولة وينظمون إعادة جدولة استرجاع ديونهم، أم أنهم سيلجأون الى المحاكم الدولية ؟
ولا تتوقف المصاعب التي تتخبط فيها الحكومة، التي تجتمع الثلثاء، عند هذا الحد، إذ يتعين عليها إعداد برنامج النهوض المالي والاقتصادي.
مرة لتقنع الدول الداعمة التي نفضت أيديها من لبنان بأنها جدية فتعود عن حردها لمساعدته . ومرة لإقناع اللبنانيين بأن خطواتها التصحيحية لن تمر في جيوب الفقراء، وهم يشكلون الغالبية العظمى من اللبنانيين بعد اغتيال الطبقة الوسطى.
وهنا، الصعوبة مضاعفة لأن كل المؤشرات تدل على أن كل الحلول ستمر حكما في جيوب الناس، وذلك لغياب الممولين الأجانب ولغياب أي مجهود لضبط الإهدار في المؤسسات العامة، بما يغنينا عن المزيد من الضرائب والاستدانة. في الأثناء، الكورونا تعطل الحياة العامة في شكل شبه تام ، وقد بلغ التعطيل مجلس النواب وعين التينة وألغى عدد من الكتل النيابية اجتماعاته تحسبا.
بورصة الكورونا اليوم ارتفعت الى احدى واربعين إصابة رسمية واثنتين غير رسميتين بعد، ومفردات جديدة لوزير الصحة، اعتبر فيها أننا الآن في مرحلة الانتشار المحدود للفيروس، وأن الرقم مقبول مقارنة بغير دول. لكن يا معالي الوزير يبدو أن الطعنات و تحول الفيروس الى انتشار وبائي هما من صنع أيديكم، إذ كيف تكسرون قرار منع الطيران مع إيطاليا، و تسمحون بدخول طائرة الميدل إيست من ميلانو اليوم وهي منطقة موضوعة بسكانها، وبقرار من الحكومة الإيطالية في حجر صحي محكم ، بعد موت المئات من ابنائها بفعل الفيروس . سامحكم الله، ولا تقولوا لنا إن الركاب لبنانيون ويحق لهم العودة الى وطنهم.