فصح مجيد. صحيح أن القيامة هي فعل انتصار الإله المتجسد على الموت، لكن النموذج لم ينسحب على العالم، ولبنان جزء منه، إذ لم يتمكنا بعد من الانتصار على آلة الموت المستجدة المتجسدة بفيروس كورونا. لهذا يشغل الفيروس هذه الشاشة وكل الشاشات ويحتل صدارة الأخبار.
لكن الكورونا ليس القاتل المتربص بلبنان، فمنذ أن بدأت الحكومة تجاربها للنهوض بالبلاد من أزماتها المالية- الاقتصادية، لم يتوقف لبنان عن تسجيل المزيد من الغرق وفقدان الوجهة وضياع البوصلة. فبعد إجهاض ال”كابيتال كونترول”، رمي مشروع ال”هيركات” في التداول، وهو مشروع يهدد بتدمير النظام المالي- الاقتصادي- الاجتماعي الذي عرفه لبنان، من دون توفير رافعة بديلة للنهوض. لكن اللبنانيين على اختلافهم وخلافاتهم يبدو أنهم توحدوا لإسقاطه.
وفي انتظار إعلان وفاته، يصعق اللبنانيون من المواقف المريبة والمتناقضة التي يطلقها أهل الحكم: أولها، الانحسار المفاجىء للتأييد الوزاري- السلطوي لمشروع ال”هيركات”، بعدما رفضه الناس، بما جعل الجميع يسأل، هل ال”هيركات” هو مشروع المعارضة أم الحكومة؟، ثانيها، عدم اكتفاء معظم مكونات الحكومة بالتراجع عن المشروع، بل تدرجوا من هجائه الى إطلاق الوعود بإجهاضه حماية للبنانيين. ثالثها، تعرية الحكومة ووزير المال وجيش اللجان من صدقيتهم أمام المواطنين للمرة الثانية بعد اغتيال ال”كابيتال كونترول”.
في السياق، يصرخ اللبنانيون بأعلى الحناجر: لماذا اصرار الحكومة على إضاعة الوقت واستدعاء المجاعة وتخريب الاقتصاد، فيما عناوين الخلاص واضحة ومعروفة، لمن يريد أن يقرأ ويسمع، إلا إذا كان المطلوب تغيير عقيدة لبنان المالية والاقتصادية، واستنساخ النماذج الكارثية المتبعة في بعض الدول التوتاليتارية التي تئن اقتصاداتها من الكساد وشعوبها من الجوع.