ربما هي المرة الوحيدة، التي يتوجه فيها حاكم مصرف لبنان الى اللبنانيين بكلمة مباشرة ،السبب الظاهر معروف، وهو للرد على الهجوم المباشر الذي شنه عليه رئيس الحكومة الجمعة الفائت، فحسان دياب طبق في هجومه الشهير النظرية التي تقول إن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، وهو حاول أن يتنصل من المسؤولية وأن يبرىء الطبقة السياسية التي يمثلها، راميا تردي الوضع الإقتصادي والمالي على رياض سلامة.
لكن السحر، إذا كان هناك من سحر في كلام دياب، إنقلب عليه وعلى الطبقة السياسية التي هو نتاجها، فسلامة رد على دياب في مؤتمر صحافي مفصل وتقني بامتياز، فند فيه بالوقائع وبالأرقام الإتهامات التي ساقها الأخير ضده، وبعكس دياب الذي بدا متوترا ومنفعلا بدا سلامة هادئا وتكلم بلغة علمية بعيدة عن الإنفعال والإنشائية والشعبوية، والأهم أنه وجه مضبطة الإتهام الى حيث يجب أن توجه : أي إلى الطبقة السياسية والسلطة السياسية المسؤولتين الحقيقيتين عن المآسي التي حلت بالوطن والناس.
ان الغضب الذي يعم الشارع طبيعي مبرر. فمعظم الناس في كل المناطق، ومن كل المذاهب والطوائف، افتقروا وضاع جنى عمرهم وصاروا تحت خط الفقر وعلى مشارف الجوع. والمسؤول المباشر عن كل ذلك أركان السلطة السياسية الذين تحكموا بالبلد في مرحلة ما بعد الطائف. فهؤلاء هم الذين نهبوا اموال اللبنانيين، وركبوا الصفقات، وشرعوا الكوميسيونات، وراكموا الثروات، واستباحوا المقدرات.
وهؤلاء هم الذين فشلوا في تأمين الكهرباء للبنانيين، ونشروا النفايات على الطرقات، وفشلوا في بناء دولة حديثة متطورة، وهؤلاء هم الذي منعوا ولا يزالون يمنعون تحقق المساءلة والمحاسبة، وعدم قيام دولة الشفافية. لذا فان الغضب الشعبي اليوم يجب ان يتركز على الطبقة السياسية لا على المصرف المركزي والمصارف. فماذا ينفع ان نهدم بأيدينا قطاعا هو من أنجح القطاعات في لبنان؟
وهل بحرق المؤسسات وهدمها وتخريبها نبني لبنان المستقبل؟ ان السياسيين والسلطة السياسية هم أصل المشكلة، بل هم رأس الافعى. فليتركز الغضب الشعبي عليهم، و”كلن يعني كلن” لأن باستمرار هذه المنظومة الحاكمة الفاسدة لا قيامة للبنان ولا حياة للبنانيين.