بعدما ارتكبت الحكومة، ومن خلفها حماتها، الخطة المالية- الإقتصادية، ها هو رئيس الجمهورية يستدعي رؤساء الكتل النيابية بمختلف أحجامهم وانتماءاتهم، خصوصا المعارضين منهم، يستدعيهم إلى بعبدا الأربعاء، وقد أسقطت معظم الخيارات.
هنا تتسع المخيلة لسيناريوهين لا ثالث لهما: الأول يفترض أن رئيس الجمهورية خرج كليا من دائرة الفئوية إلى موقع الرئيس الجامع، وهو بالتالي سيبادر رؤساء الكتل بالقول إن الخطة المالية غير نهائية، وبأن اعتراضاتهم الكلية أو الجزئية عليها أو على بعض بنودها قابلة للنقاش، وسيؤخذ بالصالح منها. أما السيناريو الثاني، وهو استوحى نفس رئيس الحكومة القاطع بأن البيان غير قابل للنقاش أو البحث، هذا السيناريو يفترض أن معظم رؤساء الكتل سيرفضون الخطة- الإملاء، وسيسعون إلى إسقاطها، أم يختارون الإستسلام لاعتبارات خاصة وليس انطلاقا من مصالح الناس.
ولعل الموقف الأوضح والأكثر صراحة، كان لكتلة “المستقبل” التي رفضت دعوة الرئيس عون إلى بعبدا، واتهمت الرئيس بتجاوز الدستور. ما استدعى ردا عنيفا من القصر حمل فيه المتغيب عن اللقاء مسؤولية قراره.
الدعوة الرئاسية، عشية سوق لبنان، إلى تغيير عقيدته المالية- الاقتصادية الليبرالية، ذكرت اللبنانيين باستدعاء الجنرال عون النواب إلى بعبدا عام 1989، قبيل انعقاد مؤتمر الطائف، وكان يومها رئيسا للحكومة الانتقالية.
والظرف آنذاك كان مفصليا خطيرا أيضا، فالحروب الداخلية نخرت قدرات الدولة، ولم يكن أمام النواب سوى اتفاق الطائف لوقف المدفع، وكان الثمن دفن الجمهورية الأولى. وقامت الجمهورية الثانية التي حولها السوري، ب”تطنيش” وتواطؤ داخلي وبركة أميركية، جمهورية كرتونية نشهد اليوم سقوط آخر معالمها.
أمام هذا الواقع يحضر سؤال وتحذير: السؤال، هل نحن اليوم أمام العماد عون رئيسا، و”حزب الله” بديلا إيرانيا لسوريا، وحسان دياب رئيسا لحكومة، نقيضا للرئيس الشهيد رفيق الحريري، سنشهد مكتوفي الأيدي على سقوط النظام الليبرالي فوق جثة الجمهورية الثانية؟. أما التحذير فيقول: إذا كان حكام الجمهورية الثانية والأوصياء، بذروا موجودات الجمهورية الأولى وقيمها، وقد استغرقهم الأمر ثلاثين عاما، فإن اغتيال النظام الليبرالي لن يمنحنا هذه الفرصة الزمنية، بل سيكون الجوع والفوضى والاستبداد نتيجته الفورية.
فانتبهوا، لأنه وسط المتحركات، التاريخ وحده ثابت لا يتغير ولا يرحم، ولا يتقبل ممازحته بثلاثة اغتيالات في ثلاثة عقود: الجمهورية الأولى والجمهورية الثانية والنظام الليبرالي الحر، وهو وحده يحدد مواصفات القيادات التي تستحق دخول الجانب المضيء من صفحاته.
وفي سياق منفصل، ننبه رئيس الحكومة وبعض القوى السياسية المتحكمة، بأن لا تزين لهم أنفسهم استغلال جوع الناس والفوضى لتكرار الاعتداء على الطائفة الأرثوذكسية، وعلى رأسها متروبوليت بيروت الياس عودة، من خلال فرض محافظة جديدة على مدينة بيروت، هي بترا خوري المقربة من حسان دياب بديلا من المحافظ زياد شبيب. وفي المناسبة، نقول لدياب ولأي سلطة وباختصار: ممنوع تجاوز رأي مطران بيروت، وعندما تفكرون يوما بالتطاول والاعتداء على أي مرجعية دينية، وهذا أمر نرفضه، عندها اطرقوا أبواب الطائفة ومرجعياتها، ونحن في هذه القضية سنقف إلى جانب عودة والطائفة ودورها المكرس في الدولة، مهما غلت التضحيات.